كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 31)

رَبِّكِ}؛ أي: إلى جسدك الذي كنت فيه، واختاره ابن جرير، ويدل على هذا قراءة ابن عباس {فادخلي في عبدي} بالإفراد، والأول أولى.

29 - ثم ذكر جميل عاقبتها فقال: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29)}؛ أي: في زمرة عبادي الصالحين، وكوني من جملتهم، وانتظمي في سلكهم
30 - {وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)} ودار كرامتي معهم، كقوله تعالى: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}، فالدخول في زمرة الخواص هي السعادة الروحانية، والدخول معهم في الجنات، ودرجاتها هي السعادة الجسمانية. وقيل: المراد بالنفس: الروح.
والمعنى: فادخلي في أجساد عبادي التي فارقت عنها، وادخلي دار ثوابي، ويؤيد هذا المعنى قول من قال: إن الخطاب عند البعث، وذهب بعضهم: إلى أنه عند الموت، كما مر آنفًا، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: نزلت هذه الآية، وأبو بكر جالس، فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذا!، فقال: "أما إنه سيقال لك هذا". وقيل: نزلت في حمزة بن عبد المطلب، وقيل: نزلت في عثمان بن عفان حين وقف بئر رومة، وقيل: نزلت في خبيب بن عدي الذي صلبه أهل مكة، وجعلوا وجهه إلى المدينة، فقال: اللهم إن كان لي عندك خير .. فحوِّل وجهي إلى قبلتك، فحوَّلَ الله وجهه نحوها، فلم يستطع أحد أن يحوله عنها. والمراد بالآية (¬1): كل نفس مطمئنة على العموم، ولا ينافي ذلك نزولها في نفس معينة، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وقرأ الجمهور (¬2): {عِبَادِي} جمعًا، وابن عباس وعكرمة والضحاك ومجاهد وأبو جعفر وأبو صالح والكلبي وأبو شيخ الهنائي واليماني: {في عبدي} على الإفراد، والأظهر أنه أريد به اسم الجنس، فمدلوله ومدلول الجمع واحد. وتعدى {فَادْخُلِي} أولًا بـ {فِي}، وثانيًا بغير في، وذلك أنه إذا كان المدخول فيه غير ظرف حقيقي .. تعدت إليه بقي، تقول: دخلت في الأمر، ودخلت في غمار الناس، ومنه قوله: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29)} وإذا كان المدخول فيه ظرفًا حقيقيًا تعدَّت إليه في الغالب بغير وساطة في، ومنه قوله: {وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)}، وقال بعض أهل الإشارة:
¬__________
(¬1) الشوكاني.
(¬2) البحر المحيط.

الصفحة 431