كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 32)
التفسير وأوجه القراءة
1 - {إِنَّا}: و {إن} (¬1): جار مجرى القسم في تأكيد الجملة. {أَعْطَيْنَاكَ} يا محمد، عبر بصيغة الماضي مع أن العطايا الأخروية وأكثر ما يكون في الدنيا لم تحصل بعد إشعارًا بتحقق وقوعها.
وقرأ الجمهور (¬2): {أَعْطَيْنَاكَ} بالعين، وقرأ الحسن وطلحة وابن محيصن والزعفراني: {أنطيناك} بالنون، وهي قراءة مروية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال الترمذي: هي لغة للعرب العاربة من أولي قريش، ومن كلامه - صلى الله عليه وسلم -: "اليد العليا المُنطِية، واليد السفلى المُنطاة" ومن كلامه - صلى الله عليه وسلم - أيضًا: "وانْطوا المنيحة"، وقال الأعمش:
جِيَادُكَ خَيْرُ جِيَادِ الْمُلُوْكْ ... تُصَانُ الْحَلَالَ وَتُنْطِيْ السَّعِيْرَا
قال أبو الفضل الرازي وأبو زكريا التبريزي: أبدل من العين نونًا، {الْكَوْثَرَ}؛ أي: الخير المفرِط في الكثرة من العلم والعمل وشرف الدارين، والكوثر (¬3) فوعل من الكثرة، وُصِف به للمبالغة في الكثرة، مثل النوفل من النفل، والجوهر من الجهر، والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد أو القدر أو الخطر كوثرًا، ومنه قول الشاعر:
وَقَدْ ثَارَ نَقْعُ المَوْتِ حَتَّى تَكَوْثَرَا
قيل لأعرابية آب ابنها من السفر: بم آب ابنك؟ قالت: بكوثر؛ أي: بالعدد الكثير من الخير، فالمعنى على هذا (¬4): إنا أعطيناك يا محمد الخير الكثير البالغ في الكثرة إلى الغاية.
وذكر أكثر المفسرين كما حكاه الواحدي: إلى أن {الْكَوْثَرَ}. نهر في الجنة، وقيل: هو حوض النبي - صلى الله عليه وسلم - في الموقف، قاله عطاء، وقال عكرمة: {الْكَوْثَرَ}: النبوة، وقال الحسن: {الْكَوْثَرَ}: القرآن، وقال الحسن بن الفضل: هو تفسير القرآن وتخفيف الشرائع، وقال أبو بكر بن عياش: هو كثرة الأصحاب والأمة،
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) البحر المحيط.
(¬3) روح البيان.
(¬4) الشوكاني.