كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

سأطلب حقي بالقنا ومشايخ كأنهم من طول ما التئموا مرد
ثقال إذا لاقوا خفاف إذا دعوا قليل إذا عدوا كثير إذا شدّوا
إلى آخر القصيدة وشهرة شعره وديوانه تغني عن بيانه، وثقال جمع ثقيل كخفاف جمع خفيف، وحقيقة الثقلة معروفة، والمراد به هنا ثقل وطأتهم على الأعداء إذا لاقوهم كما أنّ المراد بخفتهم إسراعهم إلى الحرب إذا دعاهم لها من ينتصر ويستعين بهم ودعوا بضم الدال والعين مجهول دعاه إذا ناداه للحرب وشدوا بفتح الشين المعجمة من شد للحرب وفي الحرب إذا قاتل وحمل على أعدائه، وأصل شد شدد من باب ضرب إذا قوي وشددته شدا أوثقته ومنه
شد الرحال كناية عن السفر وشد الحرب منه أيضا إلا أنه صه ار حقيقة عرفية فيه، وفي بعض ألفاظ هذا البيت تقديم وتأخيز في الديوان لا تغير المعنى كبير تغيير. قوله: (إن الكرام كثير في البلاد وإن الخ) هو من قصيدة طويلة لأبي تمام مدح بها عبد العزيز الطائي من أهل حمص وأولها كما في ديوانه:
يا هذه أقصري ما هذه بشر ولا الخرائد من أترابها الأخر
ومنها:
قالوا أتبكي على رسم فقلت لهم من فاته العين هدى شوقه الأثر
إنّ الكرام كثير في البلاد وان قلوا كما غيرهم قل وان كثروا لايدهمنك من دهمائهم عدد فإنّ جلهم بل كلهم بقر
إلى آخر القصيدة جعل البكاء على رسم الأحبة من الكرام ثم بنى عليه التخلص إلى المدح أو الاقتضاب منه إليه كما فصله في الكشف ومعنى البيت إنّ الكرام كثير في الدنيا باعتبار نفعهم وقيامهم مقام الكثير في الغناء والفائدة وإن كانوا قليلاً بحسب العدد كما أنّ غيرهم بعكس ذلك ففيه شاهد لإطلاق الكثير على القليل لكثرتهم المعنوية وهو المراد في هذا التوجيه، وقل كما في الرواية المعروفة بضم القاف وتشديد اللام اختلف فيه شراح الكشاف فقيل إنه جمع قليل ككثير، وقيل: إنه مفرد وارتضاه ابن الصائغ فهو في الأصل مصدر قل يقل قلة وقلا كذل يذل ذلة وذلاً وهذا هو الظاهر بحسب العربية ولعله على الجمعية جمع اقل كأغرّ وغر لا قليل على أنّ أصله قلل بضمتين كنذير ونذر فخفف وأدغم كما قيل: لأن قواعد الصرف تأباه فإنهم قالوا إنّ أول المثلين في كلمظ إذا تحرّك يجوز إدغامه بشروط منها أن لا يكون جمعا على وزن فعل بضمتين كسرر وذلل لئلا يلتبس بفعل بضم فسكون كحمر جمع أحمر ولما كان الجواب الأخير على التنزل وتسليم القلة ظاهراً كان الشعر مناسبا له حيث وصف فيه الكرام بالقلة في أنفسهم من حيث العدد وبالكثرة من حيث المرتبة وغيرهيم بالعكس، فلا وجه لما في الانتصاف من أن الاستشهاد بهذا البيت غير مستقيم لأنّ معناه إن الكرام وإن كانوا قليلا فالواحد منهم كالكثير في النفع واللئام بالعكس لقبض أيديهم عن الجود إن تبعه صاحب الأنصاف، وبقي هنا كلام في شرح الكشاف للطيبي رأينا تركه أهم من ذكره، وقد مر ما يرشدك إلى أن تقديم المؤمنين في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [سورة البقرة، الآية: 26] الخ لشرفهم كما قيل:
فقلناله هاتيك نعمي أتمها ولاتبتئس إن المهم المقدم
وانّ تقديم الضالين بعده في قوله يضل به كثيراً الخ لمقتضى المقام فإنّ سؤالهم ناشئ من
الضلال وكون ما في القرآن سببا للضلال أحوج إلى البيان وقيل: لما كان سوق الكلام لبيان ضلال الكفرة كان تقديم حال المؤمنين وكونهم على الحق أدخل في تحقيق ضلالهم وأعون عليه وماذا بعد الحق إلا الضلال، فهو جار على مقتضى الحال لكن لما كان السياق في بيان حال الكفرة بالغ! ي ذمهم وأطنب في مثالبهم وهذا لم أر من تعرض له ولا يخفى ما فيه فتدبر. قوله: (أي الخارجين عن الإيمان الخ) قال الراغب: فسق فلان خرج عن حجر الثرع وذلك من قولهم فسق الرطب إذا خرج من قشره وهو أعم من الكفر والفسق يقع بالقليل والكثير من الذنوب لكن تعورف في الكبائر، ويقال للكافر فاسق لخروجه عن

الصفحة 100