كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
يرتكب الكبيرة في بعض الأحيان مع علمه بحرمتها وقبحها شرعا لكنه لغلبة الهوى وتزيينه لها كمن لم يعلم قبحها فيشبه الغبيّ ولذا كان متغابيا. قوله: (والثانية الانهماث الخ) الانهماك في الأمر الجد فيه والولع والتقيد به، ولذا فسره بقوله أن يعتاد الخ وقوله غير مبال بها يعني به أنه لكثرة ارتكابها واعتيادها لا يخاف وبالها والطعن بها يقال: لا أباليه ولا أبالي به أي لا أهتم به
ولا أكترث له قالوا: ولا يستعمل إلا مع النفي كغير هنا وهذا وان كان مستقبحاً لها إلا أنه لعدم المبالاة كأنه غير مستقبح بها فلذا لم يذكره وأما ارتكابها أحيانا مع عدم المبالاة فنادر لأنّ عدم المبالاة يقتضي الاعتياد غالبا فلا يرد عليه أن ثمة درجات أخر. قوله: (والثالثة الجحود وهو الخ) يقال جحده حقه ولحقه جحداً وجحودا إذا أنكره ولا يكوز إلا عن علم من الجاحد به كما صرح به أهل اللغة وانكار الأمور الدينية عندنا كما قاله ابن الهمام يكون كفرا إذا علم من الدين بالضرورة أو علم المنكر ثبوته ولح في العناد فإنه يكفر لظهور أمارة التكذيب وعند الشافعية قال النووي في الروضة ليس تكفير جاحد المجمع عليه على إطلاقه بل من جحد مجمعا عليه فيه نص وهو من الأمور الظاهرة التي يثترك في معرفتها الخواص والعوام كالصلاة وتحريم الخمر ونحوهما فهو كافر، ومن جحد مجمعا عليه لا يعرفه إلا الخواص كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب ونحوه فليس بكافر، ومن جحد مجمعاً عليه ظاهرا، لا نص فيه ففي الحكم بتكفيره خلاف انتهى. فلا خلاف بيننا وبينهم في هذه المساً لة فالمراد بجحدها جحد حرمتها فلا يستقبحها ولا يبالي بها ويكون ما جحده ما ذكرناه وعلى هذا يحمل كلام المصنف رحمه الله وتركه للعلم به ولتصريحه به سابقا في قوله يؤمنون بالغيب كما مرّ، فما أورد على المصنف رحمه الله من أنّ مرتكب الكبيرة المستصوب لها ليس كافرا مطلقا غير وارد ولا! ا-ة لما ور! رفه في دفعه! ط بر. قولى: (فإذا شارف هذا المقام الخ) مشارفة الشيء القرب منه وأصله من الشرف وهو المكان المرتفع فكأنه يطلع على محل عال لينظر ما يريده فيقرب منه والتخطي فعل الخطوة وهي نقل القدم والخطط جمع خطة بكسر الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة قبل! اء تأنيث المكان الذي ينزل فيه المسافر ولم ينزله أحد قبله يقال. اختط وخط عليه إذا حظره وحدده لنفسه ثم صار بمعنى المحلة مطلقا وجمعه خطط يكسر ثم فتح بزنة عنب، والمقام هنا معنوي كالمنزلة والمرتبة، والمراد به الاتصاف بما ذكر من تحليل الحرام واستحسان القبيح واستصوابه، والربقة بكسر الراء المهملة وسكون الباء الموحدة بعدها تاف وهاء حبل فيه عروة تشد به البهائم والأسير ويجعلى في العتق ليقاد بها فإذا خلعت أي طرحت أو قطعت لم ينقد فلذا جعل خلع الربقة وقطعها عبارة عن عدم الطاعة والانقياد كما في قول المصنف رحمه الله خلع ربقة الإيمان من عنقه وهو كناية أو استعارة تمثيلية أو مكنية وتخييلية عما ذكر، فإن قلت ليس كل استصواب للكبيرة كفرا على أنه إنما يكفر الجاحد إذا جحد ما مر مما علم من الدين بالضرورة أو كان في حكمه لا إذا شارف الجحود فكلام المصنف رحمه الله غير صواب والصواب ترك المشارفة. قلت هذا مما يلوج في بادي النظر لإذا وقفت على مراد المصنف رحمه الله عرفت اندفاعه فإن أردت تحقيق ذلك فاصخ لما يتلى عليك واعلم أن المشار إليه بهذا المقام هو مقام الجحد لما علم من الدين بالضرورة وما يقوم
مقامه مما يدل عليه التكذيب وخلع ربقة الإيمان والدخول في الكفر لاتصافه بما يصير به كافرا عند أهل السنة لأنّ قوله خلع الخ جواب إذا فهو مرتب على مجموع مشارفة مقام هذا الجحد وتخطي مجال هذا المقام وخططه والضمير المضاف إليه الخطط راجع للمقام لا للشخص كما يقع في بعض الأوهام وتخطي تلك المحال إن لم يكن يتجاوزها فهو بالدخول فيها بغير مرية ولا شك حينثذ في كفره، وقوله لاتصافه بالتصديق مناد بتصديقه لمن ألقى السمع وهو شهيد، وإنما ذكر المشارفة لتصوير الحال وبيان ترتب الثالث على الثاني وتأدية الانهماك إلى الاستحلال وتعب يمره بالربقة إيماء لما يعقبه من نقض العهد وحباله " وخلع ريقة الإسلام من العنق " مما ورد بلفظه في الحديث الشريف. قوله: (لاثصافه بالتصديق الخ) قيل: إنه