كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
الإنكار الذي هو نفي معنى ونفي الحال مطلقاً أو الحال التي لا تنفك عنه يلزم منه نفي
صاحبها بطريق الدليل والبرهان، فلذا قيل: كيف تكفرون على طريق الكناية ولم يقل أتكفرون مع أنه أظهر وأخصر ولا خلاف بحسب المآل بين كلامي الشيخين إلا أنّ كلام الزمخشريّ يشعر بأن كيف ههنا لإنكار الحال على العموم إمّا لأنّ وضعها لعموم الأحوال كما نقل عنه أنها للتعريض فهو أنسب أو لأنّ توجه النفي والإنكار إلى مطلق الحال وحقيقته توجب العموم أو لأنه وجب الحمل على ذلك لمقتضى المقام بوجود الصارف اللازم، وما في المفتاح أنّ للكفر مزيد اختصاص بالعلم بالصانع والجهل به فالمعنى أفي حال العلم به أو الجهل والحال أنّ معكم ما يقتضي العلم على ما سمعت قيل: إنه أولى لأن كيف في هذا الموقع يكون سؤالاً عن حال الفاعل عند مباشرة الفعل لا عن حال الفعل نفسه مما هو بمنزلة التابع له ولرديف ألا ترى أنّ معنى كيف يجيء زيد أراكباًاًم ماشياً وأجيب بأنّ مراد الزمخشريّ أيضا هذا وهو المراد بحال الكفر ولا ينافي كونه تابعاً له اً لا ترى إلى ما ذكره في السؤال الأخير من استبعاد ما آل إليه المعنى وهو على أيّ حال تكفرون حال علمكم بهذه القصة ثم جوابه بأن هذا السؤال لإنكار الذات بإنكار الحال للاستفهام عن الحال لينا ني القطع بإثبات الحال. (أقول) : فلا مخالفة حينئذ إلا أنّ الحال المنفية جميع الأحوال التي يلزم من نفيها نفي ذيها أو حالاً العلم والجهل اللتان لا يخلون عنهما والأمر فيه سهل والاشتغال بترجيحه عبث إلا أنهم سلموا أنها لا تكون سؤالاً عن حال الفعل وليس كذلك فإنها كما تكون سؤالاً عن حال الفاعل وهو ظاهر تكون عن حال الفعل أيضا قال ابن الشجري إنها تكون سؤالاً عن هيئة الفعل التي يقع عليها كما تقول: كيف زيد جالسا أي جلوسه على أيّ حال نقله عنه في شرح التسهيل، فعليك بتنزيل كلام المصنف رحمه الله على مامرّ.
تنبيه: جمع بين التعجب والتعجيب في المفتاح وقد عدهما المفسرون معنيين متقابلين
حنى اعترض ابن كمال باشا على المصنف رحمه الله في ذكره التعجب وقال: كان عليه أن يقول وتعجيباً فتأمل. قوله: (وأوفق لما بعده من الحال الخ) يعني وكنتم الخ لما فيها مما يقتضي عدم الكفر ونفيه ثم بين أنّ الخطاب على طريق الالتفات من الغيبة للتوبيخ والتقريع لأنّ ذكر معايب الشخص في وجهه أنكى له وقوله مع علمهم الخ هو محصل الجملة الحالية كما سيأتي، وسوء المقال هو قولهم ماذا أراد الله ونحوه ولا يضرّ كونه كناية كما مرّ وقوله أخبروني إشارة إلى معنى الاستفهام وعلى أيّ حال إشارة إلى أنها في معنى جارّ ومجرور واقعة موقع الحال. قوله: (أجساماً لا حياة لها الخ) يعني أنه أطلق عليهم أمواتا قبل الاتصاف بالحياة
والموت عدم الحياة عما هي قن شأنه وقال في الكشاف إنه يقال لعدم الحياة مطلقا كقوله تعالى: {بَلْدَةً مَّيْتًا} [سورة الفرقان، الآية: 49] ويجوز أن يكون استعارة لاجتماعهما في أن لا روح ولا إحساس، وقيل: عليه إنه لا خفاء في أنه من قبيل صم بكم فتسميته استعارة تسامح أو ذهاب إلى ما عليه البعض والحاصل أنا لا نسلم أنّ الموت عدم الحياة عما هي من شأنه بل عدم الحياة مطلقاً ولو سلم فالمعنى كنتم كالأموات والسؤال في مثل أمتنا اثنتين أظهر لظهور أنّ الإماتة إزالة الحياة وقد أطلقت بالنظر إلى الإماتة الأولى على إيجاد الجماد الذي لا حياة فيه، والجواب أنّ الإماتة لا تستلزم أن تكون تغييراً من الحياة إلى الموت كما يقال: وسع الدار وقصر الثوب بمعنى أوجده كذلك ثم إطلاق الموت على الحالة الجمادية إمّا حقيقة فلا إشكال وامّا استعارة فيلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز في {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ} لا في هذه الآية بالنظر إلى الإماتة الثانية (أقول) إنه لم يقصد تشبيه الموجودين منهم بالاً موات بل المراد الإخبار عنهم بأنهم كانوا جمادا عناصر ونطفا ونحوها فشبه النطف بالأموات فكيف يكون تشبيها، وهذا غفلة نعم إنّ العناصر ونحوها أعرق في عدم الحياة فلا يحسن جعلها مشبهة، ولذا قال ويجوز إشارة إلى ضعفه كما هو دأبه وتقديم الموت على الحياة حينئذ ظاهر لتقدّمه عليها فيما من شانه أن يتصف بهما حيث كان مضغة كما سيأتي تحقيقه في سورة الأنعام ومن اعترض! عليه فقد غفل، وكذا من قال لا بد لصحة الحمل من تقدير كانت موادّ أبدانكم وأجزاؤها