كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
أي مقابل لها تقابل العدم والملكة لا تقابل التضاد والحيّ من أسمائه تعالى، وحياته صحة اتصافه بالعلم والقدرة فتكون مطلقة عليه باعتباو غايتها أو صفة أخرى ذاتية تقتضي ذلك فتكون
استعارة وقوله اللازمة لهذه القوّة فينا زاد فينا لأنها لا تلزم في غير الإنسان وهو حيّ واللزوم في البعض يكفي لصحة المجاز ورجع يكون لازما ومصدره الرجوع ومتعدياً ومصدره الرجع وعلى اللغة الثانية قرى يرجعون مجهولاً وعلى الأخرى قرئ معلوما.
قوله: (بيان نعمة أخرى مرتبة على الأولى الخ) الأولى هي الإحياء الأول والثاني مع ما لخلل بينهما من الموت والثانية هي المعاش والبقاء في الدنيا والآخرة أما البقاء في الدنيا فلا لكون إلا الغذاء ونحوه وهو مترتب على الخلق ومتأخر عنه وهو ظاهر وأما البقاء الأخروي لبالنظر في المخلوقات من الأنفس والآفاق والتمكن منه مع تركه فمن اتصف بالأول يخلد في النعيم ومن اتصف بالثاني يسجن سرمداً في عذاب الجحيم والخلود مترتب على البعث والجزاء متاخر عنه من غير تردّد وعبارة المصنف رحمه الله ناطقة بهذا وصرّح بالبقاء المطلق وأدوج في الانتفاع الانتفاع الديني والاستدلال فمن غفل عنه اعترض بأن ترتب هذه النعمة على الأولى لا لصح لأنه يقتضي التأخر، وآخر الأولى لا يحصل إلا في الآخرة فكيف تتأخر عنه النعم الدنيوية وايضا هذه النعمة خلق ما يتوقف عليه بقاؤهم فيلزم تقدمه على البقاء بلا مرية فيقدم على الإحياء الثاني لتأخيره عن البقاء الأول فلا يتصوّر ترتبها على الأولى، وأجاب بأنّ الترتب بالنظر الى القصد دون الوجود فإن الأولى لما كانت هي المقصودة بالذات والثانية لأجلها صح اعتبار الترتيب القصدي وهو لا ينافي التقدّم الوجودي، وقوله مرّة بعد أخرى إشارة إلى تكرر الإحياء في الآية السابقة وأغرب من هذا من قال المراد بالأرض ما يشمل أرض الجنة فصح الترتب. مإن قلت لا يستفاد من الآية الأولى إلا إحياؤهم وخلقهم دون كونهم قادرين قلت هو معلوم من دلالة الفحوى لأنهم لو لم يكن لهم قدرة لم يستحقوا الوعيد وينكر عليهم ترك السبيل الواضح. قوله: (ومعنى لكم لأجلكم وانتفاعكم الخ) يعني أنّ اللام للتعليل والانتفاع كما يقال دعا له وفي ضده دعا عليه والاستنفاع طلب النفع وقوله بوسط أو بغير وسط دفع لما يخطر يالبال من أن كثيراً منها ضار كالسباع والحشرات وبعضها لا فائدة له أصلاَ كالهوام بأنها كلها
نافعة إما بالذات كالمأكول والمركوب ونحوه وما يتراءى منه خلافه فهو نافع لنا باعتبار تسببه لمنافع غيره ألا ترى السباع الضارية تهلك كثيراً من الحيوانات التي لو بقيت أهلكت الحرث والنسل والثمار والحيات تقتل بسمها الأعداء ويتخذ منها الترياق إلى غير ذلك مما إذا تاتل العاقل عرف ذلك. قوله: (لا على وجه الغرض الخ) إذا ترتب على فعل أثر فذلك الأثر من حيث إنه نتيجة لذلك الفعل وثمرته يسمى فائدة ومن حيث إنه علي، طرف الفعل ونهايته يسمى غاية له ففائدة الفعل وغايته متحدان بالذات ومختلفان بالاعتبار ثم ذلك الأثر المسمى بهذين الاسمين إن كان سببا لإقدام الفاعل على ذلك الفعل يسمى بالقياس إلى الفاعل غرضاً ومقصوداً، ويسمى بالقياس إلى فعله علة غائية فالغرض والعلة الغائية متحدان بالذات ومختلفان بالاعتبار وان لم يكن سببا للإقدام كان فائدة وغاية فقط والغاية أعمّ من العلة الغائية إذا تمهد هذا فنقول أفعال الله تعالى يترتب عليها حكم ومصالح ومنافع راجعة إلى مخلوقاته وليس شيء منها غرضا له وعلة غائية لفعله واستدلوا على ذلك بوجهين أحدهما أنّ من كان فاعلاَ لغرض فلا بد أن يكون وجود ذلك الغرض أولى بالقياس إليه من عدمه وان لم يصح أن يكون غرضاً فيكون الفاعل حينئذ بفعله مستفيدا لتلك الأولوية ومستكملاً بغيره تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا لا يقال إنما يلزم الاستفادة والاستكمال إذا كانت المنفعة راجعة إلى الفاعل وأما إذا رجعت إلى غيره كالإحسان إلى المخلوقات فلا لأنا نقول إن كان إحسانه وعدم إحسانه إليهم متساويين بالنسبة إليه تعالى لم يصح الإحسان أن يكون غرضاً وان كان الإحسان أرجح وأولى به لزم الاستكمال، والثاني من الوجهين أنّ غرض الفاعل لما كان سبباً لإقدامه على فعله كان ذلك الفاعل ناقصا في فاعليته مستفيدا لها من غيره