كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

وقيل: استوى إليه كالسهم لأنّ القصد إلى الشيء يناسب الاستواء ويترتب على القصد له فعله به التسوية لا استيلاؤه وهو ظاهر وأمر التعدية معلوم مما مرّ، وجعل الزمخشرفي الاستواء حقيقة في ألاعتدال والاستقامة ثم نقل مجازا إلى القصد المستوى من غير ميل إلى شيء آخر ثم شبه بذلك القصد الذي في الأجسام إرإدته تعالى خلق السماء من غير إرادة إلى خلق شيء آخر، واستعير لها لفظ الاستواء فهي استعارة مصرحة تبعية مترتبة على مجاز أو مجاز في المرتبة الثانية كذا قرّره القطب في شرحه وظاهر كلام المصنف يخالفه فإنه جعل الاعتدال ليس هو معناه الحقيقيّ. قوله: (والمراد بالسماء الخ) فسره بالأجرام بناء على أنّ الأرض بمعناها الظاهري فإن كانت بمعنى جهة السفل يكون مقابلها بمعنى جهة العلو وقيل: عليه إنّ الجهات كيف تحدد من علو وسفل ولم يكن سماء ولا أرض، وأجيب بأنه يكفي في التحدد جسم واحد محيط بالكل كريّ وكان موجوداً وهو العرس على أنه كما يجعل اليوم فرضياً يمكن أن تجعل الجهات كذلك أي بأن يكون إثبات الجهات العلوية والسفلية والأيام الستة والأربعة قبل خلق السماء مبنيا على التقدير والتمثيل ومن قال: إنه لا حاجة إليه إذ المراد ما يسمى الآن بالسفل والعلو لم يعرف أنه عين التمثيل مع أنه أحوجته إليه الأيام وأمّا ما قيل: إنه لا حاجة إلر، جعلها بمعنى جهات العلو بعد تفسير الاستواء بالإرادة فسترى عدم توجهه. قوله: (وثم لعله لتفاوت ما بين الخلقين الخ) اعلم أنّ خلق السماء وما فيها والأرض وما فيها باعتبار التقدم والتأخر وردت آيات فيه وأحاديث متعارضة ولم تزل الناس من عهد الصحابة إلى الآن تستصعب ذلك وتوفق بينها ولهم في التوفيق طرق شتى سنبينها لك بما لا مزيد عليه ونبين الحق منها مستمدين منه التوفيق فاصغ بإذن القبول لما أقول اعلم أنه تعالى قال في هذه السورة: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} [سورة البقرة، الآية: 29] وقال في سورة السجدة: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [سورة فصلت، الآية: 9] إلى قوله: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا
فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا} [سورة مصلت، الآيات: 10- 11- 12] وقال في النازعات: {أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [سورة النازعات، الآيات: 27- 28- 29- 30- 31- 32- 33] فاقتضت الآيات الأول تقدم الأرض! والأخيرة تأخرها وقد روى الحاكم والبيهقي لإسناد صحيح عن سعيد بن جبير قال جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال رأيت أشياء تختلف عليّ في القرآن قال: هات ما اختلف عليك من ذاك قال أسمع الله تعالى يقول: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ} [سورة فصلت، الآية: 9] حتى بلغ طائعين فبدأ بخلق الأرض! في هذه الآية قبل خلق السماء ثم قال في الآية الأخرى: {أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا} ثم قال: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} فبدأ بخلق السماء في هذه الآية قبل خلق الأرض! فقال ابن عباس رضي الله عنهما أمّا خلق الأرض في يومين فإنّ الأرض! خلقت قبل السماء وكانت السماء دخاناً {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} في يومين بعد خلق الأرض وأما قوله: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} يقول جعل فيها جبلا وجعل فيها نهراً وجعل فيها شجرا وجعل فيها بحور انت! ى. يعني أن قوله أخرج منها ماءها بدل أو عطف بيان لدحاها بمعنى بسطها مبين للمراد منه فيكون تأخرها في هذه الآية ليس لمعنى تأخر ذاتها بل بمعنى تأخر خلق ما فيها وتكميله وترتيبه بل خلق التمتع والانتفاع به فإنّ البعدية كما تكون باعتبار نفس الشيء تكون باعتبار جزئه الأخير وقيده المذكور كما لو قلت بعثت إليك رسولاً ثم كنت بعثت فلانا لينظر ما يبلغه فبعث الثاني وإن تقدم لكن ما بعث لأجله متأخر عنه فجعل نفسه متأخرا وقد أشاروا إلى مثله فالفضل للمتقدم وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل فإن قلت كيف هذا مع ما رواه ابن جرير وغيره وصححوه عن ابن عباس أيضا رضي الله عنهما " أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألتة عن خلق السموات والأرضر فقال: خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين وخلق الجبال وما فيهق من المنافع يوم الثلالاء وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن

الصفحة 114