كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
والعمران والخراب فهذه أربعة فقال تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ
فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ} أسورة فصلت، الآية: 9 و 10] " وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملاتكة " فإنه يخالف الأوّل لاقتضائه خلق ما في الأرض من الأشجار والأنهار ونحوها قبل خلق السماء. قلت: الظاهر حمله على أنه خلق فيهاه، دة ذلك وأصوله وحدده إذ لا يتصوّر العمران والخراب قبل خلق السماء فعطفه عليها قرينة لذلك فلا تعارض بين الحديثين كما أنه ليس بين الآيات اختلاف ولذا قيل: لا بدّ على تقدير حمل ثم على التراخي في الوقت هنا من التأويل أما في الخلق بحمله على التقدير أو في المخلوق بإرادة مادته إذ لا شبهة في أنّ جميع ما في الأرض! لم يخلق قبل السماء كما نشاهده فلا تبقى مخالفة بين الآيتين ومثله لا يكون بالرأس فإمّا أن يؤخذ من الحديث أو يسكت عنه، والمصنف رحمه الله ذهب إلى تقدم خلق السماء على الأرضى وهذه الآية تنافيه فقال: إنّ ثم للتفاوت في الرتبة المنزلة منزلة التراخي الزماني كما في قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [سورة البلد، الآية: 17] فإن اسم كان ضمير يرجع إلى فاعل فلا اقتحم وهو الإنسان الكافر وقوله: {فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} تفسير للعقبة والترتيب الظاهري يوجب تقديم الإيمان عليهما لكن ثم هنا للتراخي في الرتبة مجازا وتشبث بأنه يخالف الآية الأخرى المصرّح فيها بالبعدية وبينه بأنها تدل على تأخر دحو الأرض أي بسطها وتمهيدها المتقدم على خلق ما فيها وأشار إلى تأويله بما ذكره ولا يخفى تكلفه وبعده وأنت في غنية عنه بما مرّ وقيل: الجواب بأنّ تقدم خلق جرم الأرض على خلق السماء لا ينافي تأخر وجودها عنه ليس على ما ينبغي لأنّ ثم تدل على تأخر خلق السماء عن خلق ما في الأرض! من عجائب الصنائع حتى أسباب اللذات والآلام وأنواع الحيوانات حتى الهوام على ما ذكر لا عن مجرّد خلق جرم الأرض، وسيذكر في حم السجدة ما يدل على تأخر إيجاد السماء عن خلق الأرض! ودحوها جميعا حتى قيل: إنه خلق الأرض وما فيها في أربعة أيام ثم خلق السماء وما فيها في يومين وكثر ذلك في الروايات ولا يفيد حمل ثم على تراخي الرتبة إلا أن يعول على رواية إيجاد السماء مقدما على إيجاد الأرض فضلاً عن دحوها على ما روي عن مقاتل والأولى أن يحام حول تأويل قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} ولا يخفى ما فيه فإن ما استبعد. هو المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو الحق كما مرّ وليس المراد بدحوها إلا تكميل مخلوقاتها كما عرفت، ومنهم من أوّل البعدية الرتبية وأنه كما يكون في ثم يكون في لفظ بعد كما تذكر جملا ثم تقول وبعد ذلك كيت وكيت ولا حاجة إليه أيضاً. قوله:
) عدلهن وخلقهق الخ) العوج يصح فيه هنا الفتح والكسر كما سيأتي في الكهف والفطور الشقوق وهذا من قبيل ضيق فم الركية وهو ظاهر من كلامه بلا مرية إذ خلقها كذلك يقتضي أنها لم تكن بخلافه، وجوّز في ضمير الجماعة أن يرجع إلى السماء بناء على أنها جمع سماءة أو سماوة لتأويلها بالجمع وهو الأجرام أو يرجع إليها ويجمع باعتبار الخبر أو يعود إلى المتأخر كلها احتمالات يأتي بيان الأرجح منها. قوله: (وإلا فمبهم يفسره ما بعده) قال في الكشاف: إن هذا هو الوجه العربي لأن الجمعية لم تثبت والتأويل خلاف الظاهر ويتعين على هذا أن يكون سبع سموات تمييزاً كما يعلم من مثاله وبه صرّح في غير هذا المحل فلا يرد عليه ما قيل إق الضمير يعود على متأخر لفظا ورتبة قياث في مواضع منها ضمير الشأن ويسمى ضمير المجهول والقصة ومنها الضمير المرفوع بنعم وبئس وما جرى مجراهما والضمير المجرور برلث العائد على مميزه والمرفوع بأوّل المتنازعين على مذهب البصريين والضمير المجعول خبره مفسراً له والضمير الذي أبدل منه مفسره، وفي هذا الأخير خلاف: منهم من أجازه ومنهم من منعه وعليه أبو حيان هنا ولهذا اعترض! على قول الزمخشري: إذ فهم من كلامه أنه بدل وكذا اعترض عليه إذ جوّز في قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا} أسورة الأحقاف، الآية: 24] في الأحقاف كون الضمير عائدا إلى العارض وهو تمييز أو حال وخالفه في شرح التسهيل وفيه نظر، وقال الثليبيّ: الضمير في سواهن إذا رجع إلى السماء على