كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
المعنى كان سبع سموات حالاً إن فسر سواهن كائنة سبع سموات وأذا كان مبهماً كان سبع سموات نصبا على التمييز نص عليه في السجدة، وفي نصب سبع خمسة أوجه البدل من الضمير المبهم أو العائد إلى السماء أو مفعول به والتقدير سوى منهن وهذا يناسب زياث تها على السغ أو أن سوى فيه معنى صير فينصب مفعولين وقيل: إنه لم يثبت أو حال مقدرة، وقوله أو تفسير أي تمييز، والإرصاد جمع رصد وهو معروف وكونه مشكوكا عند أهل الشرع وأشار المصنف رحمه الله إلى جوابه على تقدير صحته بقوله وان صح الخ أي العدد مختلف إلا أنه إن ضم إلى ما قاله أهل الشرع الكرسي والعرس لم يبق بينهم خلاف قال السيد في خطبة المواقف سبع سموات هي الأفلاك السبعة السيارة والنجمان الآخران يسميان عرشاً وكرسيا انتهى. وهو توفيق حسن وكون العدد لا يدل! على نفي الزائد مسألة أصولية في مفهوم العدد هل هو معتبر أولاً وفيه خلاف مشهور بينهم. قوله: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فإن قلت عليم من علم وهو متعدّ بنفسه فكيف تعدى بالباء فان كان لضعفه بتقدم معموله فالتقوية باللام فقط قلت قالوا: إنّ أمثلة المبالغة خالفت أفعالها لأتها أشبهت أفعل التفضيل لما فيها من الدلالة على الزيادة فأعطيت حكمه في التعدية حاسية الشهاب / ج 2 / م 12
وهو أنه إن كان فعله متعدّيا فإن أفهم علماً أو جهلاً تعدى بالباء نحو هو أعلم به وأجهل به وعليم به وجهول به والا تعدى باللام نحو أضرب لزيد وفعال لما يريد والا تعدى بما يتعدى به فعله نحو هو اصبر على النار وهو صبور على كذا وفيه نظر لأنه يقال رحيم به ولو تتبعت الكلام لوجدت ما يخالفه. قوله: (فيه تعليل كأنه قال الخ) الضمير في فيه ليس راجعا إلى قوله وهو بكل شيء عليم بل إلى الكلام المعلوم من السياق والمقصود بيان ارتباط هذه الجملة بما قبلها سواء كانت حالية أو معترضة تذييلية فإن نظرنا لآخر الكلام كان علة لما قبله فإنه لما أوجد هذه الأشياء العظيمة الدالة على قدرة عظيمة كاملة على أتقن الوجوه وأحسنها وأتمها كان إيجادها دليلاَ على علم شامل للجزئيات والكليات قبل وقوعها فإن الصانع إذا بنى بناء عظيماً ونحوه لا بد من تصوّره قبل إيجاده، وبهذا استدل في علم الكلام على شمول علمه لجميع المعلومات وقالوا الأفعال المتقنة تدلى على علم فاعلها، ومن تفكر في بدائع الآيات السماوية والأرضية وفي نفسه وجد دقائق حكم تدل على كمال حكمة صانعها وعلمه الكامل كما قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [سورة فصلت، الآية: 53] والنتيجة تصلح بعد تقررها تعليلا للدليل والكل من مقدماته كما تقول تغير العالم لحدوثه العالم متغير لحدوثه، ولا خفاء في مثله فلا يرد عليه ما قيل إنّ علة خلق ما خلق على هذا النمط ليس لكونه عالماً بل لكونه عالماً قادراً وأنه لا يصح عطف التعليل على الدعوى وإن بين كونه تعليلا واستدلا تنافيا وعلمه بالكنه مأخوذ من صيغة المبالغة والنمط الطريقة وكونه عالماً مرّ وجهه وحكيماً مأخوذ من إتقانه ورحمته من الأنفع فإن قلت كلام المصنف رحمه الله يقتضي أنّ نظام العالم هو الأصلح الأكمل الذي لا يمكن شيء فوقه كما قال الغزالي: ليس في الإمكان أباع مما كان وفي الفتوحات له تفصيل قلت: أنكر العلماء هذا وقالوا إنّ الله قادر على أن يوجد عالماً آخر أكمل من هذا وأحسن وأعظم كما هو مذهبنا ومعتزلة بغداد ذهبوا إلى وجوب الأصلح في الدين والدنيا بالنسبة إلى كل شخص، ومعتزلة البصرة إلى وجوب الأصلح في الدين فقط والفلاسفة إلى الأصلح بالنسبة إلى الكل من حيث هو كل لنظام العالم ونحن لا نرى بشيء منها (قلت) : مراده أنها أصلح وأكمل بحسب ما نشاهده ونعلمه ويصل إليه فهمنا لا بمعنى أنه ليس في مقدور الباري ما هو أباع منها كما هو رأي الفلاسفة لأنّ العقيدة أنّ كلا من مقدوراته ومعلوماته لا تتناهى كما صرّح به حجة الإسلام في عقيدته، وأمّا ما نقل عنه فقد قيل: إنه دسيسة أو غفلة واعتزض عليه وعلى المصنف بعض أرباب الحواشي وقد سمعت توجيه كلام المصنف وبه صرّح ابن الهمام في المسايرة، وأمّ كلام الغزالي فله وجه وجيه لأنّ
الله علم بإيجاد العالم على هذا النظام الخاص الذي اقتضت الحكمة أكمليته فبعد تقديره في علمه الأزليّ يكون خلافه ممتنعا لئلا يلزم الجهل فهو مستحيل بالعرض لا بالذات ومثله يصح إطلاق عدم الإمكان عليه بلا تكلف فلا تغترّ بتشنيع بعضهم عليه، وللعلماء في هذه المسألة