كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
فيهم سبحانه علماً ضرورياً فإن كان بأن لا يعصم فرداً ما سواهم فهو خلاف الواقع أو نوعا مطلقاً وإن عصم بعض أفراده كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهو المراد صح لكن لا يلائم قوله لا علم لنا إلا ما علمتنا، مع أن غاية ما يلزم من علمهم باختصاص العصمة بهم علمهم بصدور الذنب المطلق لا خصوصية الفساد وسفك الدماء، والمطلوب هذا دون ذاك إلا أن يقال وجه الاستنباط ما سيأتي من أنهم علموا عصمتهم ورأوا تأليف الإنسان يقتضي القوة الشهوية والغضبية المستلزمة للفساد والسفك أو أنهم علموا ذلك من تسميته خليفة لأن الخلافة تقتضي الإصلاح وقهر المستخلف عليه وهو يستلزم أن يصدر منه فسادا مّا في ذاته بمقتضى الشهوة أو في غيره من السفك، ووجه القياس أنهم علموا حال مثلهم في التناكح والتناسل فقاسوهم عليهم وقوله والسفك الخ هو من فقه اللغة وما ذكره عن ابن فارس، وقال المهدوي: لا يستعمل السفك إلا في الدم، وقيل: إنّ السفك والسفح يستعملان
نن نشر الكلام والقدرة عليه وبين قراءة المجهول وأشار في ضمنها إلى أنّ من يجوز فيها أن نكون موصولة وموصوفة وترك ما في الكشاف من أنه قرئ بضم الفاء وكسرها. قوله: (حال مقرّرة لجهة الإشكال الخ) أي جملة حالية مقرّرة ومؤكدة لسؤالهم لدفع ما عرض لهم من الثسبهة ولما تراءى من ظاهر هذا الكلام أنه اعتراض! دفعه بأنّ المقصود منه الاستفسار وكما أنّ هذه الجملة مقرّرة للسؤال دافعة أيضا الاحتمال الاعتراض فإنهم إذا نزهوه أكمل تنزيه علموا أنه لا يصدر عنه ما لا تقتضيه الحكمة فلا يرد أن في كلام المصنف رحمه الله تصريحا بأن قولهم هذا ناشئ من اعتراض الشبهة وقد عرفت أنه لا يليق بثأنهم فالصواب أن يقال: إنه حال مقرّرة لجهة الاستخبار عن حكمة الاستخلاف خاليا عن اعتراض الشبهة في موافقته الحكمة، فإن! لت إن ابن مالك قال في شرح الألفية إن كانت الجملة الاسمية حالاً مؤكدة لزم الضمير وترك الواو نحو هو الحق لا شبهة فيه وذلك الكتاب لا ريب فيه وقال ابن هشام: وتمتنع الوأو في المؤكدة، ووجهه أنّ واو الحال عاطفة بحسب الأصل والمؤكدة لا يعطف على المؤكد لما لينهما من شدة الاتصال وقد صرح به أهل المعاني أيضاً. قلت هو ليس بمسلم فإنهم صرحوا لخلافه أيضا كما في شرح التسهيل أنّ جملة وأنتم معرضون في قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ} [سورة البقرة، الآية: 83] حال مؤكدة وقد ينزل المؤكد منزلة المغاير لكونه أوفى بتأدية المراد فيقرن بعاطف ونحوه كما سيأتي إن شاء الله تعالى وعطف التفاخر على العجب بضم فسكون تفسيريّ وقوله وكأنهم علموا الخ. يعني بعلم ضروري خلق فيهم أو إخبار كما مر وشهوية بسكون الهاء نسبة إلى الشهوة، وقوله إلى الغ! ساد وسفك الدماء لف ونشر مرتب أن خص الفساد وقوله: ونظروا إليها أي إلى كل من الشهوية والغضبية فإن مقتضاهما ما ذكر وليس في هذا طعن في الملائكة بإسناد سوء الظن إليهم فإنه استخبار وقوله لا تقتضي الحكمة إيجاده إنما عبر بالإيجاد لأنه أبلغ من الاستخلاف مع دلالة الاستخلاف عليه التزاما فلا
يقال: إنّ هذا يقتضي تفسير جاعل بخالق وفيه ما مر ثم أشار إلى أن كلاً من القوّتين لها إفراط وتفريط مذموم وحاق وسطهما مهذب ممدوح ومطواعة صيغة مبالغة والتاء للمبالغة لا للتأنيث ومتمرّنة معتادة فالعفة وسط القوة الشهوية والشجاعة وسط الغضبية وافراطها تهوّر وتفريطها جبن ومجاهدة الهوى بترك الشهوات ثمرة العفة، والإنصاف في المعاملات كذلك، وقيل: إنه ثمرة الشجاعة، والتركيب من أجزاء مختلفة يفيد قوّة تقصر عنها الآحاد المفردة الغير المركبة كأراك الجزئيات بالقوى الظاهرة والباطنة التي خلت عنها الملائكة كما سيأتي. ولما ورد أنه كان ينبغي بيان ذلك أشار إلى أنه بينه إجمالاً بقوله إني أعلم الخ لما فيه من إحاطة علم آدم عليه الصلاة والسلام كما سيأتي. ونرك قول الزمخشري كفى العباد أن يعلموا أنّ أفعال الله تعالى كلها حسنة وحكمة وان خفى عليهم وجه الحسن والحكمة لأنه أورد عليه أنه إن أراد أن من شأنهم أن يعلموا ذلك ولو بعد حين لما فيهم من القوة العقلية فليس بكاف في ترك التعجب وأن أراد أنهم كانوا يعلمون ذلك فليس بمعلوم ولا في العبارة ما يدل عليه، وفيه نظر لأن