كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

فتكون لتخصيص العام، والمعترضة ما اعترضت فيه، واليه الإشارة بقوله: وأنتم قوم عادتكم الظلم وفي الكشف التحقيق أنّ الاعتراض أولى وان كان ميل أكثر المفسرين إلى الأوّل لأنه يكون تكراراً محضاً فإنّ عبادة العجل لا تكون إلا ظلما بخلاف الثاني فإنه يكون بياناً لرذيلة لهم تقتضي ذلك ثم قال نعم يمكن أن يحمل على بيان شمول الظلم أوّل حالهم وآخرها فلا يلزم التكرار (قلت) دلالته على هذا الشمول غير بينة، اللهم إلا أن يؤخذ من معنى الاستمرار الذي تدل عليه الجملة الاسمية ومع ذلك لا يعارض فائدة الاعتراض، فالوجه أن يقال: إن حمل الاتخاذ على الحقيقة نحو اتخذت خاتماً فظاهر أنّ الحال أولى لأنّ الاتخاذ لا يتعين كونه ظلما إلا إذا قيد بعبادته، وان حمل على أنه بمعنى العبادة كما يشعر به ظاهر لفظ المصنف رحمه الله فقوله وأنتم ظالمون جار مجرى القرينة الدالة على التجوّز وفيه تعريض بأنهم صرفوا العبادة عن موضعها الأصليّ إلى غير موضعها وايهام مبالغة من حيث إنّ إطلاق الظلم يشعر بأنّ عبادة العجل كل الظلم وأنّ من ارتكبها لم يترك شيثاً من الظلم حيث لم يقل ظالمون فيه فهذا ينصر قول الأكثر، وقد ظهر أنّ التذييل عند المصنف رحمه الله من أقسام الاعتراض! اهـ وقول المصنف اتخذتم العجل ظالمين بعبادته من غير ذكر إلها يحتمل أنه إشارة إلى أنه على الحالية يكون محمولاً على معناه الحقيقيّ لما مرّ، وقوله: أي إلهاً فيما مضى بيان لوجه آخر أو لمحصل المعنى فمن قال: لو جعل اتخذتم من قبيل اتخذ خاتماً بمعنى صنعه وعمله لكانت فائدة الحال ظاهرة فإنّ الاتخاذ بهذا المعنى لا يكون ظلماً إلا حال كونه مقرونا بالعبادة، وان جعل بمعنى عبدتم العجل على ما اختاره المصنف رحمه الله
وهو المناسب للمقام ففائدته زيادة التوبيخ، ومن بين وجه كونه حالاً على جعل اتخذتم متعدياً إلى واحد فقدسها وغفل عن قول المصنف أي إلها فإنه صريح في القطع بأن اتخذتم هنا متعدّ إلى مفعولين ولم يأت بشيء، ثم إنه على الحالية أيضا لو فسر بأنكم من عادتكم الظلم ووضع الشيء في غير موضعه لكان أبلغ ولا أدري لم عدلوا عنه، وأما تخيل أنه يلزم كون الحال مبينة للهيئة فلا، فتأمل. قوله: (ومساق الآية الخ) أي كما أنّ مساق ما قبلها كذلك فإنه مما يخالف دعوى الإيمان، وقوله والتنبيه الخ لأنهم كما كفروا بمحمد ومعجزاته كفرت أسلافهم بمعجزات موسى عليه الصلاة والسلام فليس هذا ببدع منهم وكذا رفع الطور إشارة إلى أنهم لا يؤمنون اختيارا كآبائهم وكأنه لم يرتض ما في الكشاف من وكرّر رفع الطور لما نيط به من زيادة ليست مع الأول يعني وأشربوا في قلوبهم الخ. قوله: ( {خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ} الخ) إشارة إلى مطابقة الجواب فإنّ الظ، هر فيه سمعنا فقط أو لا نسمع قال في الكشاف فإن قلت كيف طابق قوله جوابهم قلت طابقه من حيث إنه قال لهم اسمعوا ليكن سماعهم سماع تقبل وطاعة فقالوا سمعنا ولكن لا سماع طاعة يعني المأمور به ليس مطلق السماع بل سماع مراد به القبول كقوله سمع الله لمن حمده وقال:
دعوت الله حتى خفت أن لا يكون الله يسمع ما أقول
فأجابوا بنفي ذلك القيد، وهذا بناء على أنهم أجابوا بهذا اللفظ كما يتبادر من النظم وقال
أبو منصور أن قولهم عصينا ليس على أثر قولهم سمعنا بل بعد زمان كما في قوله: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُم} فلا حاجة إلى دفعه بما ذكر. قوله: (تداخلهم حبه الخ الما كان المعنى أنّ حبه والميل إليه تمكن منهم عبر عنه بالإشراب وهو من شرب الثوب الصبغ وأشربه به فيقال: هو مشرب بحمرة لأنّ الصبغ يؤثر في ظاهره وباطنه حتى كأنه شربه أو من أشربت البعير شددته بحبل في عنقه قال:
فأشربتها الأقران حتى وقعنها بقرح وقد ألقين كل جنين
كأنه شد في قلوبهم لشغفهم به أو من الشراب أي أشرب حبه في قلوبهم لأنّ من عادتهم
أنهم إذا عبروا عن مخامرة حب أو بغض استعاروا له اسم الشراب إذ هو أبلغ نجاع في البدن، ولذلك قالت الأطباء: الماء مطية الأغذية والأدوية ومركبها الذي تسافر به إلى أقطار البدن،
قال:

الصفحة 205