كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

كان بناء على أنه ليس بفاعل جعلها حالاً من الضمير المستكن في لكم والكلام فيه مبسوط في شروح الكشاف، ولما كانوا من الناس فسره بسائرهم أي باقيهم ممن عداهم فأطلق الجنس وأريد بعضهم أو اللام للعهد والمراد المسلمون أو من عداهم. قوله: (لأنّ من أيقن الخ) قيل: عليه أنّ كل واحد منهم غير موقن بدخول الجنة فإنّ المتيقن لهم أنه لا يدخلها غير اليهود ولا يلزم منه ذلك كما أ: لا نتيقن أنّ المسلمين دون الكفار يدخلون الجنة ولا يتيقن كل مسلم أنه يدخلها قبل العذاب، فالظاهر أن يقال: المراد بقوله: إن كنتم صادقين الصدق في دعوى أنهم أبناء الله وأحباؤه فإضا من اعتقد ذلك يأمن العذاب وهذا أيضا غير متجه إذ لم يجر لما ذكره ذكر ولم تقم عليه قرينة هنا فينبغي أن تفسر خالصة بأنها خالصة من الكدر والعقاب، وأشتاق يتعدّى بنفسه
ولذا قال: اشتاقها وقد يتعدى بإلى، وقيل: يتضمن النزاع وقوله: وأحب التخلص قال الراغب: المحبة داعية إلى الشوق والشوق داع إلى محبة لقاء المحبوب ومحبة لقائه داعية لسلوك السبيل إليه ولا طريق له سوى الموت فيتمنى لذلك. قوله: (كما قال علئ رضي الله عنه لا أبالي سقطت على الموت أو سقط الموت علئ) أخرجه ابن عساكر في تاريخه كما نقله السيوطيّ وفي الكشاف أنّ علياً رضي الله عنه طاف بين الصفين في غلالة فقال له ابنه الحسن: ما هذا بزيّ المحاربين فقال: يا بنيّ لا يبالي أبوك على الموت سقط أم عليه سقط الموت لكنه قال: في ربغ الأبرار خفق عليّ رض! ي الله عنه نعاساً ليلة حرب الجمل فقال له مسلم بن عقيل ابن أبي طالب: أتخفق نعاساً في مثل هذا الوقت يا أمير المؤمنين فقال: اسكت يا ابن أخي فإنّ عمك لا يبالي أوقع على الموت أم،. قع الموت عليه وانّ لعمك يوما لا يعدوه " وقد أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم) . وهذه قصة أخرى فلا يقال إنه حينئذ لا يناسب المقام لأنّ عدم مبالاته رضي الله عنه ليس لاشتياقه إلى الجنة بل لعلمه رضي الله عنه أنه لا يموت في ذلك الوقت وسقوطه على الموت مباشرته لأسبابه المفضية إليه مع علم بها وسقوط الموت عليه مفاجأته له. قوله: (وقال عمار رضي الله عنه بصفين الخ) صفين بصاد مهملة مكسورة وفاء مكسورة مشددة موضع قرب الرقة على شاطى الفرات وكانت وقعة صفين سنة سبع وثلاثين في غرّة صفر بين عليّ كرّم الله وجهه ومعاوية رضي الله عنه وفيها استشهد عمار بن ياسر الصحابي رضي الله عنه وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لعمار رضي الله عنه: " تقتلك الفئة الباغية " فقال ذلك في وقت الحرب لأنه علم أنه يستشهد وتلاقي روحه في حظيرة القدس النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم فاشتاق لذلك ونادى به فرحا. وقال حذيفة بن اليمان الغساتي وهو محتضر يشاهد الموت: جاء حبيب أي الموت، وقيل: أراد لقاء الله، على فاقة أي احتياجي إليه ثم قال: لا أفلح من قد ندم يريد أني تمنيته فلما جاء ما ندمت فعمم وقال لا أفلح الخ. وهذا يحتمل الدعاء أيضاً قال أبو الحسن: تقول العرب لا أفلح من ندم يريدون من ندم فلا أفلح وهذا أخرجه ابن سعد في طبقاته وصححه، وقوله سيما متعلق بقوله اشتاقها وحذف لام! سيما ولو
لم يسمع من العرب وتقدّم ما فيه، وقوله: لا يشاركه فيها غيره يعني من المسلمين فلا يرد أنّ اليهود لا يدعون أنّ غيرهم لا يدخل الجنة كيف وهم معترفون بأنّ آدم ونوحا وغيرهما ممن لم تنسخ شريعتهم يدخلون الجنة. قوله: (ولن يتمنوه أبدا الخ) أبداً هنا للاستغراق ولا حاجة إلى القول بأنّ لن للتأبيد وان قيل به، والمراد الاستغراق لمدّة أعمارهم في الدنيا خلافاً لمن قال إنه مخصوص بعهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا ينافي ذلك تمنيهم له في النار إذ {نَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [سورة الزخرف، الآية: 77] ويقولون: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [سورة الحاقة، الآية: 27] . قوله: (ولما كانت اليد العاملة الخ) اختصاص اليد بالإنسان المراد به أنها على وجه مخصوص من القدرة على العمل بها من غير ابتذالها بالوطء عليها فلا يرد عليه أنّ للبهائم يدا وللقرد يداً كيد الإنسان في ا! ل وأليه أشار بقوله عامة صنائعه، فلا يرد على ما فسر به: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [سورة الإسراء، الآية: 70] من اكل باليد أنه يوجد في القرد، ثم إنّ اليد الجارحة المخصوصة وتستعمل في النعمة لتسبيها عنها وفي القدرة لذلك وان أطلقت على قدرة الله مع تنزهه عن الجارحة كقوله: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [سورة ص، الآية: 75]

الصفحة 207