كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
وتطلق على الذات أيضا كقوله: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [سورة البقرة، الآية: 195] أي أنفسكم وفي كونه من إطلاق الجزء على الكل كلام سيأتي، وقد يكنى بالعمل باليد عن جميع الأعمال واليد في معناها الحقيقي وهو المراد هنا. قال الواحديّ: بما قدمت أيديهم أي بما قدموه وعملوه فأضاف ذلك إلى اليد لأنّ أكثر جنايات الإنسان تكون بيد. فيضاف إلى اليد كل جناية وان لم يكن لليد فيها مدخل، وظاهر كلام المصنف رحمه الله يخالفه ولذلك اعترض عليه وما موصولة عائدها مقدر أو مصدرية وأيديهم فاعل مقدر رفعه.
قوله: (إخبار بالغيب الخ) قيل: وفيها أيضا دليل على اعترافهم بنبوته صلى الله عليه وسلم لأنهم لو لم يتيقنوا ذلك ما امتنعوا من التمني. قوله: (فإن التمني ليس من عمل القلب الخ) دفع لما يرد من أنه كيف يكون معجزة مع أنه لا يمكن أن يعلم أنه لم يتمن أحد إذ هو أمر قلبيّ لا يطلع عليه بأنه ليس أمراً قلبيا بل هو أن يقول: ليت ونحوه مما يؤدّي مودّاه ولو سلم أنه أمر قلبيّ فهذا مذكور على طريق الحاجة واظهار المعجزة فلا يدفع إلا بالإظهار والتلفظ كما إذا قال رجل لامرأته أنت طالق إن شئت أو أحببت فإنه يعلق بالإخبار لا بالإضمار وهذا معنى قوله ولو كان بالقلب، وهذا على التسليم فلا يرد عليه أنّ التمني محبة حصول الشيء كما صرّح به المحققون، ولا أنه يعارض قوله في تفسير: {إِلاَّ أَمَانِيَّ} [سورة البقرة، الآية: 78] الأمنية ما يقدر في النفس كما مر. قوله: (وعن النبئ صلى الله عليه وسلم) أخرجه البيهقي رحمه الله تعالى في الدلائل عن
الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا بلفظ " لا يقولها رجل منهم إلا غص بريقه " وأخرجه الترمذي والبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا ولفظه:! لو أنّ اليهود تمنوا الموت لماتوا " وهذا يدلّ على عمومه لجميع اليهود في جميع الأعصار وهو المشهور الموافق لظاهر النظم، وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفا لو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على وجه الأرض يهوديّ إلا مات وهذا يدل على تخصيصه بعصره صلى الله عليه وسلم ومن فيه ولذلك اختلف فيه المفسرون، وقوله لغص بريقه كناية عن الموت لأنّ الغصة والشرق وقوف الطعام والشراب في الحلق بحيث لا يجري وعند الموت لا يجري للإنسان ريق فجعل عبارة عنه فإن قيل: لا وجه لأصل السؤال لأنه تعالى أخبر بأنهم لن يتمنوه ولا شك في خبره قلنا القصد إلى إثبات أنه إخبار عن الغيب ليثبت كونه معجزا حتى يثبت أنه كلامه تعالى فلو أثبت صدقه بكونه كلامه تعالى لكان مصادرة، فإن قيل: عدم نقل تمنيهم الموت إلى الآن لا يدل على عدم تمنيهم أبدا قيل: الخطاب مع المعاصرين وقد انقرضوا ولم يتمنوا وفيه نظر ووجه التهديد إقامة الظالمين مقام ضميرهم، ودعوى ما ليس لهم هو قولهم: {لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً} [سورة البقرة، الآية: 11 ا] . قوله: (من وجد بعقله الخ) لأنّ الوجدان يكون بالإحسان وبتعدى لواحد وبالعقل والعلم فيتعدّى لواحد كعرف ولاثنين كعلم، فقوله الجاري صفة مقيدة وتنكير الحياة لأنه أريد بها فرد أي فرد نوعي وهو حياة الدنيا وقيل: التنكير للتحقير أي الحياة الدنيا وهو المطابق لقراءة أبيّ رضي الله عنه بالتعريف لأنه للمعهود المعروف منها، وقال أبو حيان أنه على تقدير مضاف أو صفة أي طول حياة أو حياة طويلة ولو لم يقدر لصح المعنى بأن يكونوا أحرص على أيّ مقدار منها ولو قليلاً فكيف بغيره، وقوله: ومفعولاه هم وأحرص أي لفظ هم وهو الضمير المتصل ولفظ أحرص وفي نسخة هم أحرص بدون واو على الحكاية بنصب أحرص ورفعه وهم. قوله: (محمول على المعنى الخ) يعني لما كان لا فعل حالات منها الإضافة ومنها جر المفضل عليه ممن عطف الحالة الثانية على الأولى لتوهم أنه وارد عليها، وقيل: على قوله أحرص من الناس الأولى أحرص من باقي الناس فإنه
بعض من المضاف إليه بخلاف مجرور من فإنه غيره ألا ترى إلى صحة قولنا زيد أفضل من الجن ولا يقال أفضل الجن اص. وأجيب بأنّ مدخول من التفضيلية يجوز أن يكون كلاكما قال صاحب الإقليد تقول زيد أفضل من القوم ثم تحذف من وتضيفه والمعنى على إثبات من وفيه نظر. قوله: (وإفرادهم بالذكر الخ) يعني أنهم داخلون في الناس فتخصيصهم بالذكر إمّا لشدّة حرصهم أو لتوبيخ