كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
على بالوحي وقوله:! يحسدونكم بيان للواقع أيضا لا تفسير للنظم لأنّ عدم مودتهم ناشئ عن الحسد وقوله: للاستغراق أي لتأكيد الاستغراق فإنّ النكرة في سياق النفي عامّة. قوله: (يستنبئه ويعلمه الخ) ! ايستنبته ناظر إلى تفسير الخير بالوحي ويعلمه الحكمة ناظر إلى قوله بالعلم وينصره ناظرا إلى قوله بالنصرة وفيه إشارة إلى أنّ المراد بالخير والرحمة واحد فهو من وضع الظاهر موضع
المضمر وكذا أقيم الله مقام ضمير ربكئم لأنّ تخصيص من يشاء بالرحمة يناسب الألوهية كما أنّ إنزال الخير يناسب الربوبية وعدم الوجوب مستفاد من قوله من يشاء وهذا رد على الحكماء في قولهم إنّ النبوّة بتصفية الباطن، وعلى المعتزلة في قولهم بوجوب الأصلح على الله لأنّ الواجب إمّا عبارة عما يستحق تاركه الذمّ كما قال بعض المعتزلة أو عما تركه يخل بالحكمة كما قاله بعض آخر أو ما قدر الله تعالى على نفسه أن يفعله ولا يتركه وان كان تركه جائزاً كما اختاره بعض الصوفية والمتكلمين كما يشير به ظواهر الآيات والأحاديث مثل قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [سورة الغاشية، الآية: 26] والأوّل باطل لأنه تعالى مالك على الإطلاق والمتصرف في ملكه كيف يشاء فلا يتوجه إليه الذم أصلاً على فعل من الأفعال بل هو المحمود في كل أفعاله وكذا الثاني لأنا نعلم إجمالاً أنّ جميع أفعاله تتضمن الحكم والمصالح ولا يحيط علمنا بحكمته والمصلحة فيه على أنّ التزام رعاية الحكمة والمصلحة لا يجب عليه تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [سورة الأنبياء، الآية: 23] وكذا الثالث لأنه إن قيل: بامتناع صدور خلافه عنه تعالى فهو ينافي ما صرح به في تعريفه من جواز الترك وان لم يقل به فات معنى الوجوب إذ حينئذ يكون محصله أنه تعالى لا يتركه على طريق جري العادة وليس ذلك من الوجوب في شيء بل يكون إطلاق الوجوب عليه مجرّد اصطلاح. قوله: (نزلت الخ) وانتظامها مع ما قبلها لأنّ النسخ بخير منها من الفضل العظيم، ولأنّ ما نسخ بخير من الخير. توله: (والنسخ في اللغة إزالة الصورة الخ (قال الراغب: النسخ إزالة شيء بشيء يعقبه كنسخ الشمس الظل والظل الشمس والشيب الشباب فتارة يفهم منه الإزالة وتارة يفهم منه الإثبات وتارة يفهم منه الأمران ونسخ الكتاب إزالة الحكم بحكم يعقبه قال تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ} الخ قيل: معناه ما نزيل العمل بها أو نحرّفها عن قلوب العباد وقيل: معناه ما نوجدها وننزلها من نسخت الكتاب، وننسأها أي نؤخرها ولم ننزلها ونسخ الكتاب نقل صورته المجرّدة إلى كتاب آخر وذلك لا يقتضي إزالة الصورة بل يقتضي إثبات مثله في مادة أخرى كإيجاد نقش الخاتم في شموع كثيرة اهـ. فأشار إلى معنى الإزالة والإثبات معا أوّلاً، ومثله بنسخ الظل للشمس فإنّ صورة الضوء زالت عنه إلى غيره والراغب جعله مثالاً للإزالة فقط وهو أظهر وليس من الإضافة إلى المفعول كما توهم، والظاهر أنّ الصورة فيهما واحدة، فما قيل: إنّ الصورة المثبتة أعم من الصورة الأولى وغيرها خلاف الظاهر وقوله: والنقل أي نقل الكتاب
باستنساخه أو نقل الشيء من مكان إلى آخر وهو أخص من الزوال فإنه إعدام صفة وهي التحيز وإحداث أخرى، أمّا عطف على إثباتها أو على نسخ الظل فعلى الأول عطفه عليه لأنه داخل فيه كما ذكره الراغب وأنما خصه لما يتوهم فيه من الإزالة كما أشار إليه وعلى الثاني ففيه إثبات محقق للصورة الأولى في الثانية ولانتقالها كأنها زالت عنه، والأول أولى وعلى كل فضمير منهما للإزالة والإثبات لأنّ هذا ليس معنى مستقلاً له كما عرفت ولخفائه قيل: المتبادر منه أنّ ضمير منهما للإزالة والنقل وليس كذلك كما يدل عليه ما بعده، والتناسخ من النقل لأنه عندهم انتقال الروح من بدن إلى آخر وليس المراد به مناسخة المواريث كما قيل: وفصله بقوله ومنه لأنه ليس فيه إزالة صورة واثباتها والنقل وقع في بعض النسخ دون بعض وهي أولى لأنه لا يناسبه ما بعده إذ نسخ الريح مثالأ للإزالة ونسخ الكتاب مثال للإثبات فتأمّل. وعلى كل حال فإنّ كلامه لا يخلو من الكدر. قوله: (ونسخ الآية بيان انتهاء التعبد الخ) إشارة إلى ما ارتضاه بعض الأصوليين مع أنه بيان انتهائه بما ذكره لا رفعه، وقال شمس الأئمة: إنّ النسخ بالنسبة إليه تعالى بيان لمدة الحكم الأوّل لا رفع وتبديل وبالنسبة إلينا تبديل، وأشار إلى أقسامه الثلاثة من منسوخ الحكم والتلاوة ومنسوخ أحدهما