كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

العفو بترك العقوبة والصفح بترك التثريب بالمثلثة أي اللوم والتعيير وأصل معناه الإعراض! بجانبه تبين حسن الترتيب قال الراغب: في مفرداته الصفح ترك التثريب وهو أبلغ من العفو إذ قد يعفو الإنسان ولا يصفح فمن قال ليس هذا معناه لغة وأنما حمله عليه بمقتضى المقام لم يصب. قوله: (وفيه نظر) يعني أنّ {فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ} [سورة البقرة، الآية: 109] مقيدان بقوله حتى يأتي الله بأمره قال الإمام كيف يكون منسوخا وهو مغياً بغاية كقوله: {أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} [سورة القرة، الآية: 187] فإذا لم يكن ورود الليل ناسخا لم يكن إتيان الأمر ناسخا وأجاب بأنّ الغاية التي يتعلق بها الأمر إذا كانت لا تعلم إلا شرعاً لم يخرج ذلك الوارد من أن يكون ناسخا فيحل محل اعفوا واصفحوا حتى أنسخه لكم، قال الطيبي: ويؤيده حكم التوراة والإنجيل أنه ذكر فيهما انتهاء مدة حكمهما بإرسال النبيّ الأميّ صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} [سررة الأعراف، الآية: 157] مع أنّ ظهوره يكتيرو نسخ لهما والحاصل أنّ هذا القدر من التقييا- لا ينافي النسخ وإنما ينافيه التقييد بمعنى تعيين وقت الحكم الأول كما في آية الصوم وأجيب أيضاً بأنّ ابن عباس رضي الله عنهما لعله يحمل الإتيان بالأمر على إماتتهم أو على إقامة الساعة كقوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} [سورة النحل، الآية: ا] واعترض على الطيبي بأنه غفل عما تقرّر في الأصول حيث أنكر بعضهم النسخ وقال الشريعة المتقدّمة مؤقتة إلى وقت ورود الشريعة المتأخرة إذ ثبت في القرآن أنّ موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام بشرا بشرع محمد صلى الله عليه وسلم وأوجبا الرجوع إليه عند ظهوره، وإذا كان الأوّل مؤقتاً لا يسمى الثاني نسخاً فأجابوا عنه بأنا لا نسلم أنّ بثارة موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام بشرع النبيّ صلى الله عليه وسلم وايجابهما الرجوع إليه يقتضيان توقيت أحكام التوراة والإنجيل لاحتمال أن يكون الرجوع إليه لأنه مفسر أو مقرّر فمن أين يلزم التوقيت بل
هي مطلقة كما يفهم من التأبيد الواقع فيها فيجوز أن يكون نسخا ولم يقولوا إن هذا القدر من التقييد ينافي النسخ اهـ. وهذا غير وارد لأنّ الجواب الأوّل بمنع التقييد وهذا تسليمي لا ينافيه أي ولو سلم أنه مقيد فالقيد الذي لا يعلم زمانه تعيينه نسخ لأنّ معنى النسخ كما مرّ بيان انتهاء الحكم وآية السيف قاتلوا الذين لا يؤمنون، وتفسيره القدرة بالقدرة على الانتقام مع عمومها ليرتبط بما قبله ارتباطاً تامّا واللجأ مقصور مهموز بمعنى الالتجاء ويكون بمعنى الملجأ، والمخالفة بالخاء المعجمة والقاف مفاعلة من الخلق الحسن وهو مستفاد من العفو والصفح والالتجاء بالعبادة لأنها تدفع عنهم ما يكرهون كما مرّ، وقراءة تقدموا من قدم من السفر وأقدمه غيره أي جعله قادما فهي قريب من الأولى لا من الإقدام ضد الإحجام وفسر عند الله بوجود ثوابه عند. وقيل: الظاهر أنّ المراد أنه ثابت في علمه لا يضيع لأن عند الله بمعنى في علمه كثير في القرآن بجعل ما في علمه بمنزلة الموجود المحسوس لتحققه ولذا أردفه بقوله: إنّ الله بما تعملون بصير فعبر عن علمه بالإبصار مع أن من أعمالهم ما لا يبصر، وهذا هو الداعي لتفسير البصير بالعالم في الكشاف وان قال النحرير إنه إشارة إلى نفي الصفات وأنه ليس معنى السمع والبصر في حقه إلا تعلق الذات بمعلومات خاصة وعلى قراءة التاء فضمير تعملون للكفرة فهو وعيد وتهديد لهم، وأمّا على القراءة الأخرى فهو وعيد للمؤمنين. قوله: (عطف على ودّ الخ) وما بينهما اعتراض بالفاء لأنّ الجملة تقترن بالواو والفاء كما في التلويح، وقوله: والضمير لأهل الكتاب لم يجعله للكثير مع أنه المتبادر كما قيل ليوافق ما بعده من قالت اليهود وقالت النصارى: ولأنّ الحكم ليس مخصوصا ببعضهم فيجعل الجميع كأنهم قالوه ويدل عليه الآية الأخرى، وقالوا: كونوا هوداً أو نصارى وقوله: لف الخ هذا نوع من اللف والنشر لطيف المسلك يسمى اللف والنشر الإجمالي قال المحقق ولقائل أن يقول لما كان اللف بطريق الجمع كان المناسب أن يكون النشر كذلك لأن ردّ السامع بقول كل فريق إلى صاحبه فيما إذا كان الأمران مقولين وكلمة أو لا تفيد إلا مقولته أحد الأمرين والجواب أنّ مقول المجموع لم يكن دخول الفريقين بل دخول أ- إهما لكن بعضهم هذا بالتعيين وبعضهم ذاك

الصفحة 222