كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
وهذه القصة ذكرها ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (الواو للحال الخ) أي قالوا ذلك وهم من أهل العلم والكتاب ولما كان الحال عن الفريقين وكل فريق فاعل لفعل آخر ولا يعمل فعلان في حال جعل الفعل المسند إلى الفريقين واحداً ليصح عمله في الحال والمقصود من الحال توبيخهم. قوله: (كذلك مثل ذلك الخ) قيل: يعني أنّ كذلك مفعول قال: ومثل قولهم مفعول مطلق والمقصود تشبيه المقول بالقول في المؤدّي والمحصول وتشبيه القول بالقول في الصدور عن مجرّد التشهي
والهوى والعصبية فظهر الفرق بين التشبيهين ودفع توهم اللغوية في أحدهما، وفي الكشف وجه آخر وهو أن مثل صفة مصدر مقدر وكذلك حال أي قالوا قولاً مثل قولهم جاريا على ذلك المنهاج الصادر عن مجرّد الهوى، وهذا مطرد في غير القول تقول كذلك فعل مثل فعله وهو في الفارسية أيضا، وتحقيقه أنّ كذلك اطرد في تأكيد الأمر وتحقيقه حتى كأنه سلب عنه معنى التشبيه فقوله: مثل قولهم يدل على تماثل القولين في المؤذي وكذلك يدل على توافقهما في الصفات والغايات وما يترتب عليها من الذمّ وهو دقيق وسيأتي تحقيقه في قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة، الآية: 43 ا] والمعطلة بكسر الطاء المشدّدة طائفة نفوا الصانع وجعل قولهم مشبهاً به أقوى لأنه أقبح إذ الباطل من العالم أقبح منه من الجاهل، وفي إعرابه وجوه مفصلة في الدر المصون، وقوله: فإن قيل: الخ ظاهر أو يقال: إنه يريد أنّ دينه الآن حق وليس كذلك فوبخوا عليه. قوله: (بين الفريقين الخ) فان قلت لم خصهما بالذكر دون الذين لا يعلمون مع ذكرهم قبله قلت المراد توبيخ اليهود والنصحارى حيث نظموا أنفسهم في سلك من لا علم له فالواجب تقدير هؤلاء خاصة، وأيضا أنه لا يعتد بالقول من غير مستند، وقوله: بما يقسم الخ قيل: إنه للإشارة إلى أنّ حكم يستدعي التعدي بفي والباء كما يقال حكم الحاكم في هذه الدعوى بكذا فالأوّل محكوم فيه والثاني محكوم به، وهو محذوف تقديره ما ذكر، وفيه أيضاً إشارة إلى أنّ الحكم بين فريقين يقتضي أن يحكم لأحدهما بحق ولا حق لأحدهما فجعله بمعنى أنه يعين لكل عقابا أو يكذب كلاً منهما فهو مجاز عما ذكر. قوله: (عامّ لكل من خرّب الخ) وجه ارتباطه بما قبله أنّ النصارى عطلوا بيت المقدس أو مشركو العرب عطلوا المسجد الحرام لكنه عامّ في كل من عطل المعابد والمدارس كما في زماننا إذ خصوص السبب لا يمنع العموم فإن قيل: أليس المشرك أظلم ممن مغ مساجد الله، أجيب بأنّ المانع من ذكر الله الساعي في خراب المساجد لا يكون إلا كافراً متبالغا في الكفر لا أظلم منه في الناس أو المراد من المانعين الكفرة لأنّ الكلام فيهم لكن يحمل على عموم الكافر المانع ولا يخص بالمانعين الذين فيهم نزلت الآية كما صرح بعموم المساجد مع نزول الآية في مسجد خاص، وقوله: مرشح للصلاة أي معذلها والحديبية اسم بئر وسمي بها مكانها وهي مخففة كدويهية على الأفصح ويجوز تشديدها. قوله: (ثاني مفعولي منع الخ) منع يتعدّى لمفعولين
بنفسه تقول منعته كذا وقد يتعدى للثاني بمن أو عن فمن ثمة اختلف في إعراب أن يذكر فقيل: هو مفعوله الثاني واختاره المصنف رحمه الله والثاني أنه بدل اشتمال من مساجد، والثالث أنه على إسقاط الجار أي من أو عن والرابع أنه مفعول لأجله وهو متعد لاثنين ثانيهما مقدّر أي عمارتها أو العبادة فيها ونحوه أو لواحد وهو ظاهر، وقيل المقدّر الأوّل أي منع الناس مساجد الله وقدروه بكراهة أن الخ قال النحرير: وليس التقدير من جهة أن يكون فعلاً لفاعل الفعل المعلل مقارنا فيصح حذف اللام لأنه جائز مع أنّ وإن بدون ذلك بل من جهة أنّ المفعول له إمّا غاية يقصد بالفعل حصولها أو باعث يكون علة للإقدام على الفعل والذكر في المستقبل ليس واحداً منهما وإنما الباعث كراهة الذكر وقد يقال: إنّ ذكر الإرادة أو الكراهة في أمثال هذه المواضع بيان للمعنى لا تحقيق أنها على حذف المضاف (أقول) : قال في الكشف التحقيق أنه لا حاجة إلى الإضمار فإنّ الغرض هو الذي يسوق إلى الفعل ذهناً ويترتب عليه وجوداً فيكون حاصلا بعده سواء كان تحصيل ما ليس بحاصل أو إزالة ما هو حاصل كقولك ضربته لتأديبه وضربته لجهله فلو قيل: في الأوّل إرادة أن يتأدب، وفي الثاني كراهة أن يبقى في الجهل كان إظهاراً