كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
للمعنى وكذلك إذا قلت منعته دخول الحانة لأن يرشد دل على أنّ المنع لإرادته ولو قلت منعته دخولها لا أن يفسق دل على أنّ المنع لكراهته، ومثله قوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} [سورة النساء، الآية: 176] أي يبين لأجل ضلالكم الحاصل وازدياده فيما بعد بالاستمرار فلا ي! د أنّ أن الناصبة للاستقبال فكيف يصح من دون إضمار، نعم قد يحوح إلى الإضمار لكنه غير لازم والمعنى لا أظلم ممن منع مساجد الله من العمارة لأنّ داخلها سيذكر اسم الله على معنى لا باعث له على المنع غير ترقب أتصاف الداخل بالذكر وفيه مبالغة وذمّ عظيم حيث جعل ترقبه مانعاً لأنّ أن للاستقبال ولم يذكر ثاني مفعولي منع لشيوعه في الدخول والعمارة ونحوهما وهذا أصل ممهد لك فاحفظه اهـ. والشارح المحقق أشار إلى ما فيه إيماء لأنه جار على مقتضى العقل والقياس لكن كلام في قبول أهل العربية له وجريه على سنن كلامهم فإن مثل هذه التدقيقات وإن كانت بديعة كما هو دأبه إلا أنه لا بدّ من مساعدة الاستعمال له والبلاغة العربية زهرة لا تحتمل الفرك فتأمل وقوله: بالهدم ناظر إلى تخريب بيت المقدس وما بعده لما بعده وجعل التعطيل تخريبا استعارة حسنة، ومن الإشارات قول القشيري ومن أظلم ممن خرب بالشهوات أوطان العبادات وهي نفوس العابدين، أو خرّب بالاشتغال بالغير أوطان المشاهدات. قوله: (ما كان ينبنى لهم أن يدخلوها الخ) دفع لما يتوهم من أنّ الله أخبر بأنهم لا يدخلونها إلا خائفين وقد دخلوها آمنين وقد بقي في أيديهم أكثر من مائة سنة لا
يدخله مسلم إلا خائفاً حتى استخلصه السلطان صلاح الدين بأنّ معنى ما كان لهم الخ ما كان ينبغي لهم دخوله إلا بخوف وخشية من الله أو أنه كان الواجب والحق هذا لكنهم تركوه لكفرهم، أو ما كان ذلك لهم في حكم الله وقضائه والمقصود وعد المؤمنين باستخلاصه منهم أو أنه خبر أريد به النهي عن تمكينهم من الدخول فيها إما وجوبا إن كان النهي تحريما أو لا إن لم يكن على اختلاف في المسألة نقلوه، وقيل: إنّ في كلام المصنف رحمه الله ردّاً على الزمخشريّ حيث جعل الوجه الثاني معنى للأوّل فقال: أي ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلا خائفين والمعنى ما كان الحق والواجب إلا ذلك لولا ظلم الكفرة وعتوّهم وحاصل الثالث أنّ معنى ما كان لهم ما كان في حكم الله وقضائه يعني أنّ حكم الله أنهم يصيرون بحيث لا يدخلون إلا خائفين ولو بعد حين، وقد وقع في النسخ التي رأيناها في علم الله بدل في حكم الله وهو سهو من الناسخ لاقتضائه وقوع خلاف علمه تعالى وقيل: على الأخير لا يخفى أنّ العبارة إنما تفيد نهيهم عن الدخول كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا} [سورة الأحزاب، الآية: 53] لا نهي المؤمنين عن التمكين والتخلية وهو حاصل الوجه الأوّلط وهو كله غير وارد، أمّا الأول فلأنّ ما ينبغي يستعمل بمعنى ما يليق وبمعنى ما يجوز وبمعنى ما يكون والذي في كلام الكشاف غير الذي في كلام المصنف رحمه الله فالذي غرّه اشتراك اللفظ وأما قوله: إنّ ما وقع فيه علم الله سهو فليس كما قال فانّ معنى حكم الله بذلك قضاؤه بوقوعه وهو لا يتخلف أيضاً ولذا قال الإمام يكفي تحققه في وقت ما ولا دلالة فيه على التكرّر ولا الدوام وهذا بعينه جار في علم الله أيضا وقال السيوطي: إنه تفسير مأثور عن قتادة فكيف بصح ما قاله وكذا ما أورده النحرير فإنه مقتضى للفظ بحسب وضعه لا بحسب ما كني به عنه قال الطيبي: نهى المؤمنون عن تمكينهم من الدخول وهو أبلغ من صريح النهي لأنّ الكناية أبلغ فإنك إذا قلت لصاحبك لا ينبغي لعبدك أن يفعل كذا على إرادة النهي للسيد كان أبلغ من النهي له، وقال الجصاص: إنّ قوله إلا خائفين يدل على أنّ المسلمين يلزمهم منعهم منها والا لما خافوا. قوله: (واختلف الأئمة فيه الخ) قال الشافعي: لا يدخل المشرك المسجد الحرام والحرم وقال مالك رحمه الله: لا يدخله ولا غيره إلا لحاجة، وقال الحنفية: يجوز له دخول سائر المساجد لدخولهم على النبيّ! كتيرو في مسجده وما ذكر محمول على النهي التنزيهي أو الدخول للحرم بقصد ال! في. قوله: (قتل وسبي أو ذلة الخ) عطفه بأو لأنهما لا يجتمعان إذ القتل والسبي للحربي والذلة بالجزية للذمي وهذا مع ظهوره خفي على من قال الظاهر وذلة وقوله بكفرهم
وظلمهم مأخوذ من ترتبه على قوله ومن أظلم الدال على الكفر كما مرّ وجعل المشرق والمغرب كناية عن جميع الأرض ومثله كثير، وقوله: