كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

فإن منعتم الخ بيان لارتباط الآية بما قبلها وأورد عليه أنه يقتضي أنها من تتمة الكلام فيمن منع المساجد وهو قول ضعيف والذي وردت به الأحاديث أنها نزلت مستقلة بسبب آخر اختلفت فيه الروايات على خمسة أوجه ذكرت في أسباب النزول، وفيه نظر لأنها وان كان لنزولها سبب آخر لا يمنع ذكر مناسبتها لما قبلها وفرق بين المناسبة وسبب النزول.
قوله: (فقد جعلت لكم الأرض مسجدا) هكذا في الحديث الصحيح: " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) . قال القاضي عياض رحمه الله هذا من خصائص هذه الأمّة لأنّ من قبلنا كانوا لا يصلون إلا في موضع يتيقنون طهارته ونحن خصحصنا بجواز الصلاة في جميع الأرض إلا ما تيقنا نجاسته، وقال القرطبي رحمه الله. هذا مما خص الله به نبيهء! فه وكانت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبل إنما أبيحت لهم الصلاة في مواضع مخصوصة كالبيع والكنائس وقال الزركشيّ رحمه الله في كتاب المساجد الظاهر من نظمهما في قرن ما قال بعض شراح البخاري إن المخصوص به المجموع وهو باختصاص أحد جزأيه وهو كون الأرض طهورا وأما كونها مسجداً فلم يأت في أثر أنه منع منه غيره وقد كان عيسى عليه الصلاة والسلام يسيح في الأرض! ويصلي حيث أدركته الصلاة فكأنه عليه الصلاة والسلام قال جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وجعلت لغيري مسجداً إلا طهوراً، ولك أن تقول إنّ غيره عليه الصلاة والسلام لم يبح له الصلاة في غير البيع والكنائس من غير ضرورة فلا يرد صلاة عيسى عليه الصلاة والسلام في أسفاره، وقوله: إن تصلوا في المسجد الحرام أو الأقصى ذكر الأقصى على سبيل الفرض وقد وقع بعده صلى الله عليه وسلم فهو من الإخبار بالمغيبات وقيل الأولى الاقتصار على المسجد الحرام ولا وجه لذكر الأقصى. قوله: (ففي أيّ مكان الخ) يعني أنّ أينما ظرف لازم الظرفية وليس مفعول تولوا فيكون بمعنى أفي جهة تولوا حتى يكون منافياً لوجوب التوجه للقبلة فيحمل
على صلاة المسافر على الراحلة أو على من اشتبهت عليه القبلة وأنّ تولوا منزل منزلة اللازم فلا يحتاج إلى حذف مفعوليه وتقدير فأينما تولوا وجوهكم شطر المسجد الحرام، والتولية الصرف من جهة إلى أخرى وثم مبنيّ على الفتح اسم إشارة للمكان كهناك، ووجه الله إمّا بمعنى جهته التي ارتضاها للتوجه إليها وأمر بها وهي القبلة أو بمعنى ذاته كما مرّ أي فهو حاضر مطلع على عبادتكم وإنما أوّل بذلك لتنزهه عن المكان والجهة وقوله: فإحاطته بالأشياء أي بقدرته أو برحمته فإسناد السعة إليه مجاز بمعنى الإحاطة المذكورة وقوله في الأماكن كلها الربطة بما قبله. قوله: (وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت في صلاة المسافر على الراحلة) وأينما ظرف كما في الوجه الذي قبله والمعنى في أيّ مكان فعلتم أيّ تولية لأنّ حذف المفعول به يفيد العموم لا أنّ المعنى إلى أيّ جهة تولوا وأينما مفعول به على ما شاع في الاستعمال كما توهم فإنه لم يقل به أحد من أهل العربية كما صرّح به النحرير وكذا في القول الآخر في أنها في حق من اشتبهت عليه القبلة فيصلي إلى أيّ جهة أدّى إليها اجتهاده والمسألة مع لزوم الإعادة وعدمها مفصلة في الفروع، والمراد بالتدارك الإعادة وكونها توطئة لنسخ القبلة ظاهر لاً نه إذا كان محيطا بكل جهة فله أن يرتضي ما شاء منها وتبديل التوجيه إليه يدلّ على أنه ليس في جهة إذ لو كان لوجب التوجه لها، وقيل: هذا أصح الأقوال لأنه روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت لما قال اليهود: " ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " وفيه نظر. قوله: (نزلت لما قال اليهود لخ) في بعض الحواشي فالضمير راجع إلى الثلاثة لسبق ذكرهم ولا تقل لم يسبق ذكر المشركين كما قال الذين لا يعلمون، وقرأ الجمهور بالواو وقرأ ابن عامر بتركها على الاستئناف واستحسنوا عطفها على الجملة التي قبلها لبعد الوجوه المذكورة هنا، وإنما قال على مفهوم قوله: ومن أظلم لأنها استفهامية إنشائية اسمية وهذه خبرية فأشار إلى أنها مؤوّلة بفعلية خبرية أي ظلم الذين منعوا ظلما عظيما وقالوا أيضاً اتخذ الله ولداً فإنّ الاستفهام ليس مقصوداً حقيقته ومنه علم وجه عطف تلك الجملة على ما قبلها أيضاً ولذا حسن ترك الواو ولو جعله من عطف القصة لم يحتج إلى تأويل كما مرّ والاستئناف بياني كأنه قيل: بعدما عدّد من
تبائحهم هل انقطع خيط إسهابهم في الافتراء على الله

الصفحة 226