كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
والإسناد مجازيّ لأنّ داعي الشوق لما دعاه صار عمرو سميعا لدعوته فقد نسب لكونه سميعا فأسند إليه السماع كما أسند الردّ إلى العافي في قوله:
إذا رذعا في القدر من يستعيرها
على أنه إن ثبت شاذ لا يقاس عليه والمصنف رحمه الله لما صح عنده النقل فيه لم يلتفت إلى ما تكلفه مع أنه على ما ذهب إليه يكون من إضافة الصفة إلى فاعلها، وقد تقرّر في النحو أنها إذا أضيفت إليه يكون فيها ضمير يعود إلى الموصوف فلا تصح الإضافة إلا بما صح اتصاف الموصوف بها نحو حسن الوجه حيث يصح اتصاف الرجل بالحسن لحسن وجهه بخلاف حسن الجارية وإنما صح زيد كثير الإخوإن لاتصافه بأنه متقوّ بهم فعلى هذا لا يصح بديع السموات لامتناع اتصافه بذلك إلا إذا أريد أنه مبدع لها وهذا يقتضي أن يكون على ظاهره وأمّا ما قيل: إنّ من يقول إنّ البديع بمعنى المباع لا يدّعي أنه كذلك بل إنه من قبيل المبالغة من باب جد جده وقد اعترف به صاحب الكشاف في قوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فقال: يقال ألم فهو أليم كوجع فهو وجيع ووصف العذاب به كقوله:
تحية بينهم ضرب وجيع
وهذا على طريقة قولهم جد جد. والألم في الحقيقة للمؤلم كما أنّ الجد للجاد، فغير صحيح لأنّ قول المصنف في الوجه الآخر من أباع ينادي بأنّ الأوّل من المزيد وأمّا ما ذكره في أليم فليس مما نحن فيه في شيء فإنه من الثلاثي لكن فيه إسناد مجازيّ فهو سهو آخر. قوله: (أمن ريحانة الداص السميع) تمامه
يؤرّفني وأصحابي هجوع
وهو مطلع قصيدة لعمرو بن معد يكرب يتشوّق أختاً له اسمها ريحانة أسرها بنو دريد بن الصمة ومنها:
إذالم تستطع شيئافدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
والمراد بالداعي الشوق ويؤزقني بمعنى يوقظني من الأرق وهو السهر وهجوع بمعنى نيام وجملة وأصحابي هجوع حال، وقوله: أو بديع الخ ظاهر وهو مختار الزمخشري وهو حجة رابعة على نفي الولد لأنه أصله ومنشؤه الحاصل بالانفعال المنزه عنه ذو الجلال. قوله: (والإبداع اختراع الشيء الخ) فرق في شرح الإشارات بين الصنع والإبداع والإيجاد والتكوين والإحداث بأنّ الصنع الإيجاد بعد العدم فهو والإيجاد عامان والإبداع إيجاد من غير مادّة ولا
زمان فهو أعلى مرتبة من التكوين والإحداث لأنّ التكوبن إيجاد عن مادّة والإحداث أن يكون مع الشيء وجود زمانيّ وكل واحد منهما يقابل الإبداع من وجه والإبداع أقدم منهما لأنّ المادّة لا يمكن أن تحصل بالتكوين والزمان لا يمكن أن يحصل بالأحداث لامتناع كونهما مسبوقين بمادّة أخرى وزمان آخر انتهى وكلام المصنف رحمه الله يقتضي فرقا آخر وهو أنّ الإبداع الإيجاد الدفعي من غير ماذة لأنه معنى الاختراع والصنع الإيجاد عن مادّة وهي العنصر الذي فيه صورته كالسرير والخشب والتكوين إيجاد من مادّة خلعت عنها صورتها الأولى التي هي صورة أخرى في زمان كالإحداث لكن أورد عليه أنه كيف يكون إيجاد السموات لاعن مادّة وقد كانت دخانا كما صرّح به في الآيات وكيف يكون دفعيا وقد خلقت في ستة أيام فكأنه حمل ذلك على التمثيل لمناسبة ما بعده فتأمّل. قوله: (أي أراد شيئاً وأصل القضاء الخ) القضاء فصل الحكم في الشيء قولاً وهو ظاهر أو فعلاً وهو إيجاده ولما كان ذلك يستلزم الإرادة أطلق عليها فعلم أنه يستعمل بمعنى الإيجاد ويقابله القدر بمعنى التقدير وقد يعكس ذلك قال ابن السيد: قدّره الله وقدره قضاؤه ومنهم من يفرق بين قدر الله وقضائه فيجعل القا. ر تقديره الأمور قبل أن تقع والقضاء إنفاذ ذلك القدر وخروجه من العدم إلى حد الفعل وهذا هو الصحيح لأنه قد جاء في الحديث أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم مرّ بكهف مائل للسقوط فأسرع المشي حتى جاوزه فقيل له أتفرّ من قضاء الله فقال أفرّ من قضائه تعالى إلى قدره ففرق صلى الله عليه وسلم بين القضاء والقدر وبين أنّ الإنسان يجيب أن يتوقى انتهى. قوله: (ومن كان التامّة الخ) وهي تدل على معنى الناقصة لأنّ الوجود المطلق أعمّ من وجوده في نفسه أو في غيره مع أنها الأصل فلا يقال: إنّ الله كما يفيض الوجود في نفسه للأشياء يفيض الوجود لغيره وهو إنما يكون بأن يقول للشيء كن كذا، ووجه التمثيل فيه أنه شبهت الحالة التي تتصوّر من تعلق إرادته تعالى بشيء من