كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

المكوّنات الدال علبها قوله:
قضى كما مرّ وسرعة إيجاد. إياه من غير امتناع ولا توقف بحالة أمر الآمر النافذ تصرفه في المأمور المطيع الذي لا يتوقف في الامتثال فأطلق على هذه الحالة ما كان يستعمل في ذلك من غير أن يكون هنا قول وأمر فهو استعارة تمثيلية، وذهب لعضهم إلى أنها استعارة تحقيقية تصريحية ورده النحرير وسيأتي ما فيه، وقوم إلى أنه حقيقة وأنّ السنة الإلهية جرت بأنه تعالى يكوّن الأشياء بكلمة كن ويكون المأمور هو الحاضر في العلم والمأمور به الدخول في الوجود وكأنّ مراده أنّ اللفظ موجود حقيقة والا فهذا الأمر تسخيريّ وهو مجاز أيضاً ووجه تقريره للإبداع أنّ هذه السرعة تقتضي عدم التوقف على المادّة، وكون الولد يقتضي ما ذكر مما جرت به العادة وقوله: بفتح النون يعني به النصب والفتح يستعمل في البناء وإذا أضيف إلى الحرف دون الكلمة يراد ذلك أيضا للفرق بين فتح الكلمة وفتح الحرف وقراءة النصب قراءة ابن عامر رحمه الله وقد أشكلت على النحاة حتى تجرأ بعضهم عليه وقال إنها خطأ وهو سوء أدب والرفع على الاستئناف أي فهو يكون وهو مذهب سيبويه رحمه الله، وذهب الزجاج إلى عطفه على يقول وأمّ النصب فقيل: إنه روعي فيه ظاهر اللفظ لصورة الأمر فنصب في جوابه ولو نظر إلى المعنى لم يصح لأنّ الأمر ليس حقيقيا فلا ينصب جوابه، ولأنّ من شرطه أن ينعقد منهما شرط وجزاء نحو ائتني فأكرمك إذ تقديره إن تأتني أكرمتك وهنا لا يصح هذا إذ يصير التقدير إن يكن يكن فيتحد فعلاً الشرط والجزاء معنى وفاعلاً ولا بد من تغايرهما لئلا يلزم كون الشيء سبباً لنفسه لكن المعاملة اللفظية على التوهم واقعة في كلامهم، وقال ابن مالك رحمه الله: إن أن الناصية قد تضمر بعد إنما لإفادتها النفي وقد قالت العرب إنما هي ضربة من الأسد فتحطم ظهره بنصب تحطم ولك أن تقول إنها منصوبة في جواب الأمر والاتحاد فيه المذكور مردود لأنّ المراد أن يكن في علم الله وإرادته يكن في الخارج كقوله ع! يي! : " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله " أي من كانت هجرته عملاً ونية فهجرته ثوابا وقبولاً، وكون الأمر غير الحقيقي لا ينصب في جوابه ممنوع فإن كان بلفظ كما ذهب إليه كثير من المفسرين فظاهر ولكنه مجاز عن سرعة التكوين كما مرّ في {كُونُواْ قِرَدَةً} وان لم يعتبر ذلك فهو مجاز عن إرادة سرعة التكوين فيكون استعارة تبعية يترتب عليها وجوده سريعا فالتقدير أن يرد سرعة وجود شيء يوجد في الحال فالتغاير ظاهر ومنه تعلم أنّ عدم الذهاب إلى التمثيل له وجه خلافا لمن ردّه ثم بين السبب في غلط الكفرة في نسبة الولد بأنه في لسانهم الأب مشترك بين المبدكأ الموجد ومعناه المعروف وهذا ملخص من كلام الإمام رحمه الله. قوله: (أي جهلة المشركين
الخ) فنفي العلم عنهم على حقيقته وعلى الثاني لتجاهلهم أو لعدم عملهم بمقتضاه والتفسير الأول منقول عن قتادة والسديّ والثاني عن ابن عباس رضي الله عنهما ولذا لم يقل المصنف رحمه الله جهلة المشركين وأهل الكتاب ومتجاهليهم لغلبة الجهل في أهل الشرك والتجاهل في أهل الكتاب فافهم وقوله هلا إشارة إلى أنّ لولا هنا للتحضيض وقد تكون حرف استفتاح نحو ولولا فضل الله، والكلام معهم إمّا بالذات أو بإنزال الوحي وهو استكبار منهم بعدهم أنفسهم كالملائكة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام وما بعده إنكار وجحود وهو ظاهر، وقوله: والثاني جحود أنّ الخ في نسخة لأنّ، وقوله: كذلك الخ تقدم الكلام في توجيه الجمع بين كلمتي التشبيه، وأرنا لله نظير لولا يكلمنا الله وهل يستطيع نظير طلب الآية والحجة وقراءة التشديد شاذة وهي قراءة أبي حيوة وابن أبي إسحق قال الداني رحمه الله: وذلك غير جائز لأنه فعل ماض والتاءين المزيدتين إنما يجيآن في المضارع فيدغم أمّا الماضي فلا، وقال الراغب: إنه حمله على المضارع فزادهما وبهذا القدر لا يندفع الإشكال ولذا قال السفاقسي قراءة تشابهت لإدغام التاء فيها وليس في الماضي تاآن تبقى إحداهما وتدغم الأخرى ووجهت على أنّ الأصل أشابهت وأصله تشابهت فأدغم التاء في الشين وأجتلبت همزة الوصل فحين أدرج القارئ القراءة ظن السامع أنّ تاء البقرة هي تاء الفعل، فتوهم أنه قرأ تشابهت ولا يظن بابن أبي إسحق أنّ التاء من الفعل على الإدغام

الصفحة 229