كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
للأحكام الجزئية المتعلقة بالمعاس والمعاد سواء كانت منصوصة من الشارع أو لا لكنها راجعة إليه، والنسخ والتبديل يقع فيها وتطلق على الأصول الكلية تجوّزا. قوله: (أي الوحي أو الدين الخ) الوحي بمعنى الموحى به وهو إشارة إلى أن العلم بمعنى المعلوم فإنه شاع فيه حتى صار حقيقة عرفية والمعلوم يتصف بالمجيء دون العلم نفسه إلا أن يكون مجازاً كما أشار إليه النحرير، وأمّا القول بأنّ مجيء المعلوم يستلزم مجيء العلم فضعفه ظاهر وكذا القول بأنّ الوحي بالمعنى المصدري وهو وأن كان إعلاماً لا علما فهما متحدان بالذات كالتعليم والتعلم وكله من التكلفات الباردة. قوده: (مالك من الله من ولئ ولا نصير) هذه الا، م هي الموطئة للقسم وهي تقع قبل أدوات الشرط وتكثر مع أن وقد تأتي مع غيرها نحو لما آتيتكم من كتاب ولسبقها يجاب القسم معها دون الشرط ولو أجبت الشرط هنا لوجبت الفاء فهذه الجملة جواب القسم فقوله وهو جواب لئن يخالفه، اللهمّ إلا أن يقال مراده أنه جواب القسم المدلول عليه به فأقامه مقامه لكنه تسمح في التعبير وقيل: إنه إشارة إلى أنه جواب الشرط وذلك إنما يجوز إذا قدر القسم بعد الشرط وقدر مالك جملة فعلية ماضوية أي ما استقرّ والا تعين كونه جواب القسم لوجوب الفاء، وهو تعسف إذ لم يقل أحد من النحاة بتقديره مؤخراً مع اللام الموطئة وتقديرها فعلية لا دليل عليه. قوله: (يريد به مؤمني أهل الكتاب الخ) خصه بهم لأنهم الذين أوتوه ويتلونه، لؤمنون به وفسر حق التلاوة وهو منصوب على المصدرية لإضافته له بصون لفظه عن التحريف وتدبر معانيه والعمل به وجعله حالاً مقدرة لأنهم لم يكونوا وقت الإيتاء كذلك بل
بعده وهذه الحال مخصصة لأنه ليس كل من أوتيه يتلوه فالمراد بالذين المقيد بالحال مؤمنو أهل الكتاب بحسب المنطوق وأولئك يؤمنون به خبر بلا تكلف، وأمّا إذا جعل يتلونه خبراً وأولئك يؤمنون به جملة مستأنفة فلا بدّ من تخصيص الموصول بالمؤمنين استعمالاً للعامّ في الخاص وهذا معنى قوله على أنّ المراد الخ أي على أنه مراد منه بقرينة عقلية ليصح الإخبار عن العامّ بما هو لبعض أفراده، وأمّا قوله: يريد أولاً فمعناه يريد من هذا اللفظ بخسب الدلالة، وقيل: معناه أعمّ من الإرادة بالتقييد اللفظي ومن الإرادة بالاستعمال فلا يرد عليه أنّ قوله على أنّ المراد بالموصول مستغنى عنه ولا حاجة إلى تكلف أنّ المراد بمؤمني أهل الكتاب الذين آمنوا بكتابيهم وهما التوراة والإنجيل، وقوله المراد مؤمنو أهل الكتاب ثانياً المراد به من آمن بنبينا صلى الله عليه وسلم فإنه تعسف وعذر أشدّ من الذنب فإنه ليس إلا تكرار لفظ لا حاجة إليه يوهم أنه يجوز أن يراد غيره وقوله: دون المحرفين يشير إلى أنّ هذا يفيد القصر كما في الله يستهزئ بهم كما ذهب إليه الزمخشريّ وفسر الكفر بكتابهم بتحريفه لأنه كفر به كما مرّ، وقوله: حيث اشتروا الكفر بالإيمان أي استبدلوه إشارة إلى أنّ فيه استعارة مكنية وأنه إيماء إلى ما مرّ منهم وقوله: لما صدر قصتهم الخ بيان لفائدة ذكر ما فيها مع أنه تقدم. قوله: (كلفه بأوامر ونواه) قال الراغب: بلي الثوب بلا خلق وبلونه اختبرته كأني أخلقته من كثرة اختباري له وسمي التكليف بلاء لأنه شاق ولأنه اختيار من الله لعباده، وابتلى يتضمن أمرين أحدهما تعرّف حاله والوقوف على سا يجهل من أمره، والثاني ظهور جودته ورداءته وربما قصد به الأمران وربما يقصد به أحدهما فإذا قيل: ابتلاه الله فالمراد أظهر جودته ورداءته لا التعرّف لأنه لا يخفى عليه خافية وفي الكشاف اختبره بأوإمر ونواه واختبار الله عبده مجاز عن تمكيته من اختيار أحد الأمرين ما يريد الله وما يشتهيه العبد كأنه يمتحنه ما يكون منه حتى يجازيه على حسب ذلك قال العلامة اختبار الله عبده لا يكون بطريق الحقيقة لأنّ الاختبار حقيقة إنما يصح فيمن خفي عليه العواقب بل هو مجاز على طريق التمثيل شبه حال الله والعبد في تمكينه من الأمرين الطاعة والمعصية
وإرادة الطاعة منه بحال المختبر مع المختبر ثم عبر عنها بالاختبار، وما في قوله ما يكون استفهامية وفي الامتحان معنى العلم أي بتمحنه ليعلم أيّ شيء يفعل انتهى. وحاصله أنّ مراده التكليف أيضا لكنه بطريق الاستعارة التمثيلية وكلام الراغب يشعر بأنه مجاز باعتبار إطلاقه على ما هو الغاية منه، وأشار إلى أن يعلم ويبتلى بمعنى لترتبه