كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

ولا قائل به وأوّلوا كلام من قال بصحته بأنّ كلا منهما يضمر في كلامه ما ذكره الآخر بقرينة المقام فهما كلامان ولكن يعدا كلاما واحداً على التسمح ثم إنهم ذكروا أن النلقين ورد بالواو وغيرها من الحروف وأنه وقع في الاستثناء كما في الحديث: " إن الله حرّم شجر الحرم " قالوا: إلا الأذخر يا رسول الله ذكره الكرماني في شرح البخاري وقال إنه استثناء تلقيني فإن قلت تقدّم أنّ كونه إماما عامّ لجميع الناس فيقتضي أنّ جميع ذريته كذلك إذا عطف عليه وليس كذلك قلت يكفي في العطف الاشتراك في أصل المعنى وقيل: يكفي حصوله في حق نبينا صلى الله عليه وسلم فتأمّل. قال الجصاص: ويحتمل أن يريد بقوله ومن ذربتي مساءلته تعريفه هل يكون من ذريته أم لا فقال تعالى في جوابه لا ينال الخ فحوى ذلك معنيين أنه سيجعل ذلك إمّا على وجه تعريفه ما سأله أن يعرفه إياه وأمّا على وجه إجابته إلى ما سأل لذرّيته اهـ. قوله: (والذرية نسل الرجل الخ) أصلها الأولاد الصغار ثم عمت الكبار والصغار الواحد وغيره وقيل: إنها تشمل الآباء لقوله تعالى: {أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [سورة يس، الآية: 41] يعني نوحا وأبناءه والصحيح خلافه وفيها ثلاث لغات ضم الذال وكسرها وفتحها وبها قرى، وفي اشتقاقها أقوال فقيل: من ذروت وقيل: من ذريت وقيل من ذرأ وقيل: من الدّرّ فإن كانت من ذروت فأصلها ذروة فعولة بواوين زائدة ولام الكلمة قلبت الثانية ياء تخفيفا فقلبت الأولى ياء بالإعلال المعروف وكسر ما قبلها، وقيل: فعيلة وأصلها ذروة فأعلت بما مرّ وان ك نت من ذريت فوزنها
إمّا فعولة وأصلها ذروية فأعلت أو فعيلة فأصلها ذريية فأدغمت وان كانت مهموزة فوزنها فعليثة قلبت الهمة ياء وأدغمت، وان كانت من الذرّ بالتشديد فأصلها فعلية والياء للنسبة وضئم أوّله كما قالوا دهريّ أو لغير النسب كقمرية أو فعيلة وأصلها ذرّيرة قلبت الراء الثالثة ياء هربا من ثقل التكرير كما قالوا في تظننت تظنيت وفي تقضضت تقضيت أو فعولة وأصلها ذرّورة فقلبت الراء الثالثة وأعلت كما مرّ وقس عليه حال الفتح والكسر. فوله: " جابة إلى ملتمسة الخ) هذا يقتضي تقديرا جعل في الكلام والا فليس فيه ما يدل على الطلب وقوله: وأنهم لا ينالون الإمامة والإمامة شاملة للنبوّة والخلافة والقضاء والإمامة المعروفة وهي كلها مرادة على ما قال الجصاص وأدخل فيها الإفتاء والشهادة ورواية الحديث والتدرش! لأنهم غير مؤتمنين على الأحكام قال ومن نصب نفسه في هذا المنصب وهو فاسق لم يلزم الناس إتباعه ولإطاعته وهو يدل على أنّ الفاسق لا يكون حاكماً وأنّ أحكامه لا تنفذ إذا ولي وأنه لا يقدم للصلاة لكن لو قدم واقتدى به صح ولا فرق عند أبي حنيفة بين القاضي والخليفة في أنّ شرط كل واحد منهما العدالة وأنّ الفاسق لا يكون خليفة ولا حاكما ومذهبه فيه معروف وما نقل عنه من خلافه كذب عليه وقد أطال في تفصيله، وقيل: اتفق الجمهور من الفقهاء والمتكلمين على أن الفاسق لا يصلح للإمامة ابتداء وان اختلف في أنه لا يصلح لها بقاء بحيث لا ينعزل بطريان الفسق، وقال النحرير: وجه دلالة الآية على أن الظالم لا يصلح للإمامة والخلافة ابتداء ظاهر وأمّا أنه لا يصلح لذلك بحيث ينعزل بالظلم فلا، قال: وفيه إشكال من وجهين أمّا أولاً فلأنّ وجه دلالتها إمّا أن تستفاد من منطوق النص أو دلالته أو القياس لا سبيل إلى الأوّل لما عرفت أنّ المراد بالإمامة النبوّة فلا يتناول بمنطوقه الخلافة ولا إلى الثاني لأنّ أقل مرتبتها المساواة وهي مفقودة هنا إذ لا يلزم من عصمة النبيّ غ! يه إلا على عصمة الأدنى منه، ولا إلى الثالث إذ لا جامع بينهما وأمّ ثانيا فلأن وجه دلالة الآية على أنّ الظالم لا يصلح ل! مامة والخلافة ابتداء وان كان ظاهراً في ذلك ينبغي أن يكون ظاهراً أيضاً في الانعزال بطريان الفسق إذ لا وجه له في الظاهر للمنافاة بين وصفي الإمامة والظلم فالجمع بينهما محال ابتداء وبقاء ويجاب عن الثاني بأنّ المنافاة في الابتداء لا تقتضي المنافاة في البقاء لأنّ الدفع أسهل من الرفع ويشهد له أنّ رجلا لو قال لامرأة مجهولة النسب يولد مثلها لمثله هذه بنتي لم يجز له نكاحها، ولو قال لزوجته الموصوفة بذلك لم يرتفع النكاج لكن إن أعحرّ عليه يفرّق القاضي بينهما. (أقول (: ما ذكره النحرير مسطور عن السلف كما مر والظاهر

الصفحة 234