كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
لما جاز دخول بين عليها وقد ساق هذا على أنه معنى كلام الكشاف وتبعه العلامة في شرحه والمصنف وقد حققنا المقام، بما فيه شفاء الغليل فليكن في خزانة فكرك عدة تدفع بها الأوهام. قوله: (من باب التعجيز والتبكيت الخ) ظاهر الآية أنهم إن آمنوا بدين مثل دين آمنتم به فقد اهتدوا لكن الدين الذي آمنتم به وهو دين الإسلام والتوحيد ليس له مثل
فكيف يؤمنون بمثله، فأجاب بأنه من باب التبكيت أي إلزام الخصم فقد فرض أنهم إن حصلوا ديناً مثل دين الإسلام في الصحة فقد اهتدوا لكن من المحال تحصيل مثله فاستحال الاهتداء بغير دين الإسلام فبنى الكلام على الإضافة ليكون أبعث لهم على الاتباع حيث لم يطلب منهم الإيمان بما آمنوا به بل الإيمان بما هو حق وعلى ما ينبغي أيامّاً كان فاذا هجم بهم الفكر على أن ذلك الحق منحصر فيما آمنوا به لم يكن لهم محيص عن الإيمان وعلى هذا يكون آمنوا متعدياً بالباء أو يجري آمنوا مجرى اللازم والباء للاسنعانة والآلة أي إن دخلوا في الإيمان باستعانة شيء دخلتم في الإيمان باستعانته وهو كلمة الشهادة فقد اهتدوا أو مثل زائد كقوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [سورة الأحقاف، الآية: 10] أي عليه، وقراءة ابن عباس وأبيّ رضي الله عنهم تدل عليه وقوله كقوله تعالى: {فَأْتُواْ بِسورة مِّن مِّثْلِهِ} [سورة البقرة، الآية: 23] إشارة إلى أنّ ذكر المثل فيها أيضاً للتعجيز وسلوك الطريق المنصف ومنه يعلم سقوط ما ذكر فيها سابقاً فتذكر. قوله: (وقيل الباء للالة الخ) أي ليست صلة بل هي للاستعانة وآمنوا بمعنى أوجدوا الإيمان الشرعي ودخلوا فيه من غير احتياج إلى تقدير صلة أي فإن دخلوا في الإيمان بواسطة شهادة مثل شهادتكم قولاً واعتقاداً وذلك طريق للإيمان ولا مانع من تعذده كما قيل: الطرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق وعلى الوجهين ما موصولة عبارة عن الدين أو الشهادة. قوله: (أو مزيدة الخ) أي الباء زائدة وما مصدرية وضمير به دلّه واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: إيمانكم وجوّز أن يكون لقوله آمنا بالله الخ بتأويل المذكور أو للقرآن أو لمحمد صلى الله عليه وسلم، أو مثل مقحمة كما في الآية المذكورة وقراءة بما آمنتم به بدون مثل قراءة ابن عباس رضي الله عنهما وقراءة بالذي آمنتم به قراءة أبيّ رضي الله عنه. قوله: (أي إن أعرضوا الإيمان الخ) فسر التولي بالإعراض! وقد مرّ الفرق بينهما لكن الفرق لا يحتاج إليه وكان بعض مشايخنا رحمه الله يقول الألفاظ المتقاربة المعاني إذا اجتمعت افترقت وإذا افترقت اجتمعت وهو منزع لطيف والشقاق والمناواة المخالفة والمعاداة، واختلف في اشتقاق الشقاق فقيل: من الشق بالكسر أي الجانب لأنّ كلاً منهما في جانب غير الذي فيه الآخر واليه أشار المصنف رحمه الله وقيل: إنه من المشقة وقيل: ماخوذ من قولهم شق العصا إذا أظهر العداوة. قوله: (تسلية الخ) وجه التسلية فيه ظاهر، وقوله: وتسكين أي تسكين لروعهم ومثبت لهم، وقوله:
إمّا من تمام الوعد الخ وإذا كان من تمامه يفيد أنّ ذلك كائن لا محالة لعلمه بما هم عليه وسماعه لما يقولون المقتض له وأخذ تحقق وقوعه من هذا التأكيد مخالفاً للزمخشريّ من أخذه من السين في {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ} حيث قال معنى السين إنّ ذلك كائن لا محالة ولو بعد حين لأنّ السين حرف تنفيس لا دلالة له على التأكيد وقول الشراح في توجيهه أنّ دلالتها على التأكيد من جهة كونها في مقابلة لن الدالة على تأكيد النفي قال سيبويه لن أفعل نفي سأفعل فيه تأمّل. والضميران مفعولان تقول كفاه مؤنته وأو في قوله أو وعيد للتنويع لا للترديد فلا يمتنع حمل الكلام على الوعيد والوعد معاً. قوله: (أي صبننا الله صبنتة الخ) الصبغة كالجلسة مصدر صبغ الثوب ونحوه وهو معروف ولما كان في الصبغ تزيين للمصبوغ ودخول فيه وظهور أثره عليه جاز أن يستعار للفطرة والطبيعة التي خلقهم الله عليها لأنهم يتزينون بها كما يتزين الثوب بصبغه أو للهداية التي هداهم الله بها لذلك أو للإيمان الذي أظهره الله عليهم كما يظهر أثر الصبغ على المصبوغ ويؤيده أنّ العرب سمت الديانات والاتصاف بها صبغة كما قال الشاعر:
وكل أناس لهم صبغة وصبغة همدان خيرالصبغ
قالوا: وعلى هذه الأقوال هو من الاستعارة التصريحية التحقيقية والقرينة الإضافة إلى الله والجامع