كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
صبغة الله، وقولوا: نحن الخ أو على اتبعوا ملة إبراهيم وقولوا آمنا بدل من عامل ملة إبراهيم
المقدر أي الزموا أو اتبعوا وصبغة الله بدل من ملة والبدلى من الجملة ليس بأجنبيّ من بدل بعض أجزائها وقال الطيبي رحمه الله مراد القاضي أنّ العطف مانع من جعل صيغة الله نصبا على الإغراء فيقدر الزموا صبغة الله وقولوا نحن له عابدون، والحق أنّ كلا من قوله ونحن له مسلمون ونحن له عابدون ونحن له مخلصون اعتراض وتذييل للكلام الذي عقب به مقول على ألسنة العباد بتعليم الله تعالى لا عطف، وتحريره أن قوله: ونحن له مسلمون مناسب لآمنا أي نؤمن بالله وبما أنزل على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ونستسلم له وننقاد لأوامره ونواهيه، وقوله: ونحن له عابدون ملائم لقوله صبغة الله لأنها دين الله فالمصدر كالفذلكة لما سبق، وقوله: ونحن له مخلصون موافق لقوله: {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} [صورة القصص، الآية: 55] وهو ترتيب أنيق قال النحرير: فإن قيل نحن لا نجعله عطفا على آمنا بل على فعل الإغراء بتقدير القول أي الزموا صبغة الله وقولوا نحن له عابدون ولو سلم ففيما ذكرتم أيضاً فصل بين المعطوف والمعطوف عليه وكذا بين المؤكد والتأكيد بالأجنبيّ لأنّ قوله فإن آمنوا وقوله: فسيكفيكم الله لا يدخل شيء منهما في حيز قولوا: قلنا لا وجه لارتكاب الإضمار بلا دليل مع ظهور الوجه الصحيح وما ذكر من الفصل وان لم يتعلق بقولوا لفظاً فقد تعلق به معنى فلا فك للنظم وهو الحق الذي لا محيد عنه قيل: وفي عدم فك النظم بالفصل بين المفعول وبدله يبدل الفعل العامل تأمّل. قوله: (في شأنه واصطفائه نبياً من العرب الخ) قيده لدلالة قوله: ما أنزل إلينا سابقاً، وقوله: ومن أظلم ممن كتم الخ لاحقاً وقوله: على كل مذهب يعني من مذهب أهل الحق في أنّ النبوّة بفضل من الله يختص به من يشاء، ومذهب الحكماء من أنها تدرك بالمجاهدة وتصفية الباطن والقاهر من كدر العقائد والأخلاق والذي يشعر بالأوّل قوله ربنا وربكم والذي يشير إلى الثاني الأعمالى وينتحونه بالمهملة بمعنى يقصدونه، وقوله: روي الخ قال السيوطي لم أقف عليه في كتب الحديث. قوله: (أم منقطعة الخ) يعني إن قركأ أم يقولون بياء الغيبة لا تكون أم إلا منقطعة للإضراب عن الخطاب في أتحاجوننا أي بل أتقولون
الخ وهو للإنكار بمعنى ما؟ ط ن ينبغي ذلك وان قرئ بالخطاب فيجوز الإضراب والمعنى ما ذكر، ويجوز الاتصال والمراد أيهما يكون بمعنى أنه لا ينبغي ذلك وإلا فالعلم حاصل بثبوت الأمرين، وما ذكروه من الانقطاع على الغيبة ومنع الاتصال حكي عن بعض النحاة جوازه لأنك إذا قلت أتقوم يا زيد أم يقوم عمرو صح الاتصال وقال أبو البقاء: وهو جيد وقيل: إنه إذا لم تكن الغيبة من باب الالتفات كما يقتضيه التوفيق بين القراءتين فإن كان فالقراءتان سواء في الاتصال والانقطاع والحاجة إليه لما سمعته، وقوله: وقد نفى الخ يعني أنّ الله نفى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ما ادعيتموه وما ذكر بعده من إسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط أتباعه وعلى ديته فكيف يكونون هوداً أو نصارى. قوله: (يعني شهادة الله تعالى لإبراهيم عليه الصلاة والسلام الخ) يريد أنّ الظرفين كلاهما صفة شهادة أي كائنة من الله كائنة عند من كتم بمعنى متحققة له معلوه ت أنها شهادة الله والمعنى لا أظلم من أهل الكتاب لأنهم كتموا الشهادة على التحقيق أولاً أظلم من المسلمين لو كتموها على سبيل الفرض! فالفعل الماضي في الأوّل على أصله وفي الثاني للتعريض بمن تحقق منه الكتمان كما في قوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ} الأولى حمله على الأعم منهما لكن الأوّل قالوا إنه اتفق عليه أهل التفسير وهو المرويّ عن مجاهد وقتادة لكن اختلفوا في المكتوم وهل هو نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم أو حنيفية إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأمّا الثاني فلا يعرف، قال أبو حيان رحمه الله: ولا يناسب المقام وإنما حمله المصنف رحمه الله على التعريض لأنه ليس في الكلام تعرض له وقوله من للابتداء ظاهر وجوّز في من الله أن يتعلق بكتم أي كتمها من عباد الله وفيه نظر، وقوله: وقرئ بالياء قيل: إنه لم يوجد في شيء من كتب التفسير والقرا آت وليس كذلك فإنه قرأ بها السلمي وأبو رجاء وابن محيصن كما في اللوامح وهي شاذة خارجة عن الأربعة عشر. قوله: (تكرير الخ) قد مضى هذا النظم بعينه وبيان ما فيه لكنه أشار إلى حكمة تكريره أو أنّ شخص كل بمعنى ليكون تأسيساً والظاهر الأول ولذا قدمه إذ لا قرينة على الثاني. قوله: (الذي خفت أحلامهم الخ) السفه في الأصل مطلق
الخفة ويطلق على خفة العقل وهو المراد هنا والأحلام جمع حلم وهو العقل، واستمهنوها بمعنى استذلوها والمراد بهم المنكرون لتغيير القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة أمّا حرصاً على الطعن أو إنكاراً للنسخ، وخبره به قبل وقوعه كما يدل عليه قوله سيقول ليوطن نفسه ويعدّ الجواب له كما في المثل قبل الرمي يراس السهم ونحوه ولأنّ المكروه إذا وقع بعد العلم به لا يكون هائلا كما إذا وقع فجأة وبغتة فإنه أصعب وقيل إنها نزلت بعد تحويل القبلة وقوله: والقبلة الخ، قال الراغب: القبلة في الأصل اسم للحالة التي كان عليها المقابل نحو الجلسة والقعدة، وفي المتعارف اسم للمكان المقابل المتوجه إليه للصلاة والمراد بالمتعارف والعرف عرف اللغة لا عرف الناس حتى يتوهم أنه ليس بلغويّ مع وروده في كلام العرب كقوله: