كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

أليس أوّل من صلى لقبلتكم
كما مرّ والمتوجه بفتح الجيم قيل: وأطلق ذلك عليها إشارة إلى أنّ المكان ليس بمقصود بالذات بل الحالة الحاصلة من التوجه إليه وقوله: لا يختص! به مكان الخ إشارة إلى أنّ المشرق والمغرب عبارة عن جميع الأمكنة، والارتسام بمعنى الامتثال. قوله: (وهو ما ترتضيه الحكمة وتقتضيه المصلحة من التوجه الخ) عدل عن قول الكشاف توجيه لأنه مبنيّ على الاعتزال، وبدل قوله من التوجيه إلى التوجه لاحتياجه إلى التوجيه على ما بين في شروحه فالمراد بالصراط المستقيم ما أراده الله وهو التوجه إلى بيت المقدس ثم التوجه إلى الكعبة شرفها الله تعالى. قوله: (وكذلك إشارة إلى مفهوم الآية المتقدّمه الخ) فالمشبه به كونهم مهديين إلى الصراط المستقيم أو جعل قبلتهم أفضل القبل والمشبه جعلهم خيارا قيل: وفي فهم أفضلية قبلتنا من الآية المتقدمة تأمّل إذ مثلية الحكم الناسخ جائزة، ولا يخفى أنه مفهوم من التشبيه لأنّ معناه جعلناكم خياراً مفضلين كقبلتكم وهو يقتضي ذلك بالفحوى فتأمّل. ثم إنه خالف الزمخشريّ في قوله وكذلك ومثل ذلك الجعل العجيب {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} قيل: لما فيه من
التكلف وارتكاب إقحام بلا فائدة وفوات الارتباط بما قبله بخلاف ما اختاره وهو من قلة التدبر كما سترى، قال النحرير: يرد أنّ ذلك إشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعده لا إلى جعل آخر يقصد تشبيه هذا الجعل به كما يتوهم من أنّ المعنى ومثل جعل الكعبة قبلة {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} وإذا تحققته فالكاف مفحم إقحاما كاللازم لا يكادون يتركونه في لغة العرب وغيرهم هكذا ينبغي أن يفهم هذا المقام وتبع فيه العلامة حيث قال: يريد أنّ الكاف منصوب المحل على المصدر وهو إشارة إلى جعل القبلة أي كما جعلنا قبلتكم أفضل قبلة جعلناكم أمّة وسطا، وكنا نقول وقت سماع هذا الكتاب ذلك إشارة إلى التحويل، فقال الأستاذ رحمه الله: لا بل هو إشارة إلى الجعل الذي اشتمل عليه قوله: جعلناكم أمّة أي جعلناكم أمّة وسطا مثل هذا الجعل العجيب ويرد عليه أنه تشبيه الشيء بنفسه لكنا نقول بالفاوسية همجنين كرديم وهمجنين ميكنيم واين اشارتست باين فعل وكأنه لا يتسنه وسيرد عليك أمثال هذا وفي الكشف يريد أنه لم يشر به إلى سابق بل إلى الجعل المدلول عليه بجعلناكم وجيء بما يدل على البعد تفخيما وأصله جعلناكم أمّة وسطا مثل هذا الجعل أي جعلاَ عجيباً كما تشاهدونه والكاف مقحم للمبالغة وهذا إقحام مطرد في كلام العرب والعجم لا تكاد تسمع غيره وهو في القرآن كثير وهذا هو الوجه، وقال الطيبي في قوله: كذلك قال الذين من قبلهم أي جرت عادة الناس على ما شوهد من هؤلاء وقد كنت مع تحقق أنّ هذا هو الحق ومقتضى البلاغة برهة ألتمس ما يميط عنه لثام الشبهة إلا أني مع كثرة ما أرفرف عليه لم أجد ما يفصح عنه ويبرد غلة الصدر فيه حتى انكشف لي الغطاء عقلا ونقلا وتقريره أنّ الشريف قدس سرّه، قال في شرح المفتاح: ليس المقصود من التشبيهات هي المعاني الوضعية فقط إذ تشبيهات البلغاء قلما تخلو من مجازات وكنايات فنقول: إنا رأيناهم يستعملون كذا وكذا للاستمرار تارة نحو عدل عمر في قضية فلان كذا وهكذا أي عدل مستمرّ قال الحماسيّ:
هكذايذهب الزمان ويفنى الى صلم فيه ويدرس الأثر
ونص عليه التبريزي في شرح الحماسة وله شواهد كثيرة وقال في شرح قول أبي تمام:
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر
إنه للتهويل والتعظيم وهو في صدر القصيدة لم يسبق له ما يشبه به والإشارة كالضمير ترجع إلى المتأخر فتفيد التعظيم للتفسير بعد الإبهام فتجعل كناية عن ذلك وأن أمر عظيم مقرّر فالمراد في هذا ونحوه إنا جعلناكم جعلاً عجيباً بديعا هكذا وليست الكاف فيه زائدة كما يوهمه كلامهم لكنه قطع النظر فيه عن التشبيه واستعمل في لازم معناه فإن أريد بالإقحام هذا فمسلم ثم رأيت الوفلر عاصم بن أيوب قال في شرح قول زهير:
كذلك خيمهم ولكل قوم إذا مستهم الضراء خيم
قال: قال الجرجاني: تفسير لفظة كذلك أنها تشبيه إمّا لخبر مقدّم وامّا لخبر متأخر وهي نقيض كلا لأنّ كلا

الصفحة 249