كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
تنفي وكذلك تثبت ومثله قوله تعالى: {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} [سورة الحجر، الآية: 2 ا] فمعنى البيت أنّ هرماً وآباءه ثبت لهم حسن الخلق في دفع الملمات إذا نزلت بقومهم وإن كانت الأخلاق تتغير عند نزول الشدائد وحلول العظائم اهـ. فعليك بالعض على هذا بالنواجذ فإنه من بدائع هذا الكتاب وروائعه، والحمد لله الموفق للصواب، وقد ذكر مثله عن ابن الأنباري رحمه الله ومما يدل عليه دلالة ظاهرة قوله تعالى: {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ} [سورة البقرة، الآية: 18 ا] فلو كان كذلك للتشبيه لم يصرّح بعده بمثل، ولا حاجة لما ذكر في توجيهه.
قوله: (أي خبارا الخ) الخيار جمع خير وهم خلاف الأشرار وقد يكون الخيار اسما من الاختي ار وأمّا الخيار لنوع من القثاء فمولد وظاهره كالكشاف أنّ الوسط يكون بمعنى الخير مطلقاً كما قالوا خير الأمور الوسط والتحقيق ما قاله السهيليّ في الروض أنّ الوسط وصف مدح في مقامين في النسب لأنّ أوسط القبيلة أعرقها وصميمها فهو أجدر أن لا تضاف إليه الدعوة وفي الشهادة كما هنا وهو غاية العدالة كأنه ميزان لا يميل مع أحد وظن قوم أنّ الأوسط الأفضل على الإطلاق، وفسروا الصلاة الوسطى بالفضلى وليس كذلك بل هو لا مدح ولا ذمّ كما يقتضيه لفظ التوسط غير أنهم قالوا أثقل من مغن وسط على الذمّ لأنه كما قال الجاحظ يختم على القلب ويأخذ بالأنفاس لأنه ليس بجيد فيطرب ولا برديء فيضحك وقالوا أخو الدون الوسط وقوله أوعد ولا قد عرفت وجه إطلاقه عليه أنه لا يميل إلى طرف، ومزكين بفتح الكاف المشذدة جمع مزكى كمصطفين، وقوله: بالعلم لأنه الخصال المحمودة وهما أساسها وهو في الأصل المكان الذي تستوي المساحة من جوانبه وهي قياس الأرض، ثم استعير للخصال المحمودة لأنها على ما ذكر في الأخلاق لكل مضها طرفان مذمومان بالإفراط والتفريط وما بينهما هو المحمود كما ذكره ثم أطلق الحال على المحل واستوى فيه الواحد وغيره لأنه بحسب الأصل جامد لا تعتبر مطابقته، وقد يراعي فيه ذلك والتهوّر الوقوع في الشيء بقلة مبالاة من إنها بمعنى وقع. قوله: (واستدلّ به على أنّ الإجماع الخ (لأنّ الله تعالى شهد بعدالتهم وقبول شهادتهم ولا يمكن أن يكون ذلك بالنسبة إلى كل فرد فبقي ذلك في اجتماعهم لقوله ع! يرو: " لا تجتمع أقتي على الضلالة " والكلام عليه في الأصول، وانثلصت بمعنى اختلت من الثلم. قوله: (علة للجعل (أدرج فيه العلم لأنّ الشهادة لا تكون إلا عن علم إمّا بالمشاهدة أو بالسماع والاستفاضة وعمومها للمعاصرين وغيرهم
لعموم الناس. قوله: (روي الخ) هذا الحديث رواه البخاريّ والترمذيّ، وقوله وهذه الشهادة الخ جواب عما يقال إنّ التعدّي بعلى للمضرّة وشهادتهم على الناس ظاهرة وأمّا شهادة الرسول يكتون فهي لهم لأنها تزكية نافعة فأجاب بأنه ضمن معنى الرقيب المهيمن لأنّ المزكي مراقب لأحوالهم مقيد بمعرفتها، ويصح أن يكون لمشاكلة ما قبله. قوله: (وقدّمت الصلة الخ) يعني عليكم لأنّ المراد بالشهادة الثانية التزكية وهو صلى الله عليه وسلم إنما يزكي أمّته فقدم ليفيد الحصر وهو من قصر الفاعل على المفعول. قوله: (أي الجهة التي الخ) اختلفوا في الجهة التي كان صلى الله عليه وسلم يتوجه إليها بمكة فقال ابن عباس وضي الله عنهما وجماعة كان يصلي إلى بيت المقدس لكنه لا يستدبر الكعبة بل يجعلها بينه وبين بيت المقدس وأطلق آخرون اً نه صلى الله عليه وسلم: كان يصلي إلى بيت المقدس وقال آخرون كان يصلي إلى الكعبة فلما تحوّل إلى المدينة استقبل بيت المقدس وضعف هذا لما
فيه من النسخ مرّتين والأصح الأول وقوله: أي الجهة التي كنت عليها ليس تفسيراً للقبلة بل للإشارة إلى أنّ جعل متعدّ لمفعولين الأوّل القبلة والثاني التي الخ بمعنى الجهة التي وليس الموصول صفة القبلة وهذا مختار الزمخشريّ، وعكس أبو حيان رحمه الله فقال التي مفعول أوّل والقبلة مفعول ثان وقال إنّ المعنى عليه، وقيل: التي صفة القبلة والمفعول الثاني محذوف أي ما جعلنا القبلة التي كنت عليها قبلة، وقيل: لنعلم هو الثاني بتقدير مضاف أي ما جعلنا صرف القبلة إلا للعلم المذكور وعلى التفسير الأوّل التي عبارة عن جهة الكعبة وعليه النسخ وقع مرّتين وعلى الثاني الصخرة، وضمير بينه الأوّل للنبيّ