كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

وكسرها والإتيان بهم لجزائهم بأعمالهم، والإتيان يكون في الآخرة أو المراد ما يشمل الجبال والوهاد والعمران والخراب والإتيان بمعنى قبض الأرواج، والوجه الآخر مبنيّ على الأخير في تفسير الاستئناف كما مرّ وقوله: فيقدر الخ على الوجهين الأوّلين.
قوله: (ومن حيث خرجت الخ (حيث ظرف مكان لازمة الإضافة للجمل وإضافتها للمفرد نادرة، والظاهر أنه يريد من أفي مكان خرجت منه فول فمن حيث متعلق بول والفاء زائدة كما في {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [سورة المدثر، الآية: 3] وقيل: إنه يشعر بأنه من حيث متعلق
بخرجت فيلزم عدم إضافته إلا أن يتكلف تقدير حيث يكون خرجت ولا يخفى بعده، وقيل: إنه متعلق بولّ وما بعد الفاء يعمل فيما قبلها كما بين في محله إلا أنه لا وجه لا 0 جتماع الواو والفاء، فالوجه أن يكون المدير أفعل ما أمرت به من حيث خرجت فول فيكون قوله فول معطوفا على المقدر ويجوز أن يجعل من حيث خرجت بمعنى أينما كنت وتوجهت فيكون فول جزاء له يعني أنها شرطية العامل فيها الشرط على نحو ما ذكره المصنف رحمه الله ولا يخفى أنّ حيث بدون ما لا تكون شرطية وكذا إذ إلا في قول ضعيف للفراء وقالوا: إنه لم يسمع في كلام العرب وقوله: وانّ هذا الأمر، أي الشأن والحال الدال عليه قوله وقيل: إق المراد به التولية وأوّله ليصح تذكير ضميره وكذا فسره في الكشاف بهذا المأمور به ولو قصد بالأمر ظاهره صح أيضا. قوله: (كرّر هذا الحكم الخ (يعني أنه ذكر {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} في ثلاث مواضع فإمّا أن يكون كزره اعتناء بشأنه لأنه من مظان الطعن وكثرة المخالفين فيه لعدم الفرق بين النسخ والبداء أو لأنه ذكر في كل محل على وجه قصد به غير ما قصد في الآخر معنى وان تراءى من اللفظ تكرره ففي الأوّل ذكر بعد قوله فلنولينك قبلة ترضاها لتعظيم النبيّ صلى الله عليه وسلم بابتغاء مرضاته وثانياً بعد قوله ولكل وجهة لجري العادة الإلهية الخ وهنا بعد قوله وأنه للحق الخ لدفع حجج المخالفين وقد بين بوجوه أخر متقاربة ولكل وجهة هو موليها. قوله: (وأنّ محمدآ صلى الله عليه وسلم يجحد ديننا ويتبعنا الخ (قيل: هذا إنما يجدي لو لم يكن حكم من أحكام ديننا موافقاً لهم وليس كذلك كما في الرجم وليس بشيء لأنّ إنكارهم هذا لا ينافي إنكار غيره أو خص هذا لظهوره في كل يوم وكونه في أركان الدين والعبادة مع أنهم منكرون للرجم. قوله: (استثناء من الناس الخ (يعني أنه بدل مما قبله وإن جاز فيه النصب على الاستثناء لأنه المختار في الاستثناء من كلام غير موجب واليه أشار بقوله: إلا للمعاندين وقوله لأحد من الناس إشارة
إلى أن تعريف الناص للجنس الاستغراق والزمخشري جعلها للعهد حيث تال: لأحد من اليهود، وقوله: أو بدا له أي تغير رأيه ولما كانت الحجة الدليل المثبت للمقصود ولا حجة لهم أجاب بأنّ الحجة ما يقصد به الاستدلال سواء كان صحيحا في نفسه أو في زعم قائله فإن كان حقيقة لغة فهو ظاهر والاستثناء متصل وأن لم يكن حقيقة فهو تغليب فلا يرد أن المذكور في صدر الكلام إن تناول هذه لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز وإلا لم يصح الاستثناء لا! الحكم حينئذ ينفي الحجة الحقيقية ولا محيص سوى أن يراد بالحجة المتمسك حقا كان أو باطلأ مع أن قوله لم يصح الاستثناء غير مسلم لأن غايته أن لا يكون متصلاً وقد قيل: بانقطاعه في الآية. قوله: (وقيل: الحجة بمعنى إلاحتجاج الخ) الاحتجاج المنازعة والمعارضة مطلقا والحجة تستعمل بمعناه كما في قوله تعالى: {لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} [سورة الشورى، الآية: 15] اي لا احتجاج ومجادلة قاله الراغب فما قيل: إنه لا فائدة في جعل الحجة بمعنى الاحتجاج لأن مآله إلى الوجه الأوّل ولا يندفع به السؤال إلا إذا فسر بالتمسك لا وجه له. قوله: (وقيل: الاستثناء للميالغة في نفي الحجة الخ (وهو استثناء منقطع أيضا لكنه من تأكيد الشيء بضده وائباته بنفيه، قال الزجاج: تقول ما لك عليّ حجة إلا الظلم أي ما لك عليّ، حجة البتة ولكنك تظلمني ومعناه إن تكن لهم حجة فهي الظلم والظلم لا يمكن أن يكون حجة فحجتهم غير ممكنة فهو إثبات بطريق البرهان وقوله: ولا عيب الخ هو من قصيدة للنابغة الذبياني أوّلها: كليني لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب
والفلول مصدر كالقعود بمعنى الانثلام والكسر وقيل: إنه جمع فل بالفتح بمعناه أيضاً، والقراع الضراب

الصفحة 256