كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

كما هنا وعلى نفس أعماله واضافتهما إلى الله لأنه جعلهما علامة مع ما فيه من التعظيم وتغليب الحج والعمرة بمعنى اشتهارهما في نوع مخصوص منهما، كالدابة لا أنهما علمان. قوله: (كان إساف على الصفا الخ) إساف بكسر الهمزة وخفة السين المهملة وألف بعدها فاء ونائلة بنون وألف يليهما همزة مكسورة ولام الأوّل اسم رجل سمي به صنم على الصفا والثاني اسم امرأة سمي به صنم على المروة قيل: " ولذا أنث وكانا زنيا في الكعبة فمسخا حجرين ووضعا ثمة ليكونا عبرة فلما تقادم العهد عبدوهما وكانوا يتمسحون بهما إذا سعوا ولما كان السعي واجبا أو ركناً عند الأكثر وكان قوله لا جناج يقتضي عدم الوجوب كما ذهب إليه بعض الصحابة والمجتهدين أجابوا عنه بما ذكر، وفي جامع الترمذيّ عن سفيان قال سمعت الزهري يحذث عن عروة: قال: " قلت لعائشة رضي الله عنها ما أرى على أحد لم يطف بين الصفا والمروة شيئا وما أبالي أن لا أطوف بينهما فقالت بئس ما قلت يا ابن أختي طاف رسول الله-لمجي! عليه وطاف المسلمون وإنما كان من أهل المناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة فأنزل الله تعالى: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ} الآية ولو كان كما تقول لكانت فلا جناج عليه أن لا يطوف بهما، قال الزهري رحمه الله: فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام فأعجبه ذلك وقال: إنّ هذا هو العلم ولقد سمعت رجلا من أهل العلم يقول: " إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب يقولون إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية! وقال آخرون من الأنصار: " إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر بالسعي بين الصفا والمروة " فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ} قال أبو بكر بن عبد الرحمن فأراها نزلت في هؤلاء هذا حديث حسن صحيح
انتهىإ. قال الكرمانيّ: فان تلت الآية لا تدل على الوجوب فلم جزمت به عائشة رضي الله عنها قلت: أما أنها استفادت الوجوب من فعله صلى الله عليه وسلم مع انضمام 9 خذوا عني مناسككم " إليه أو فهصت بالقرائن إنّ فعله للوجوب كما قيل به، والسعي ركن عند مالك والشافعيّ وأحمد رحمهم الله وقال أبو حنيفة رحمه الله واجب فلو تركه صح حجه ويجبر بالدم وقال النووي رحمه الله هذا من دقيق علمها لأن الآية دلت على رفع الجناح عن الطائف فقط فأخبرته عائشة رضي الله عنها بأنه لا دلالة فيها لا على الوجوب ولا على عدمه وبينت السبب في نزولها والحكمة في نظمها وقد يكون الفعل واجبا ويعتقد الإنسان منع إيقاعه على صفة مخصوصة وذلك كمن عليه صلاة الظهر وظن أنه لا يجوز فعلها عند الغروب فسأل عن ذلك فقال له مجيب لا جناج عليك إن صليتها في هذا الوقت فيكون جوابا صحيحاً ولا يقتضي نفي وجوب صلاة الظهر اهـ. وما نقله عن أحمد ينافي في نقل المصنف رحمه الله، وضمير أنه للطواف بهما واستدلال ابن عباس رضي الله عنهما بهذه الآية لأنّ لا جناج بحسب الظاهر يقتضيه ولم يذكر الاستدلال بقوله: ومن تطوّع خيراً فهو خير له لأنّ تفسير تلك الآية لا يلائمه كما في شروحه ولم يجعل قراءة ابن مسعود رضي الله عنه أن لا يطوف ناصراً له لأنها شاذة لا عمل بها مع ما يعارضها ولاحتمال أن لا زائدة فيها كما يقتضيه السياق. قوله: (وهو ضعيف الخ) يعني رفع الجناج وإن تبادر إلى الفهم منه عرفا التخيير وان كان مفهومه بحسب العقل مجرّد عدم الحرمة أو الكراهة فيعم الواجب والمندوب لكنه لا ينافي الوجوب وقوله من شعائر الله قرينة على إرادته منه، وأمّا التطوّع ففي اللغة التبرع وقد يقال: لفعل الطاعة متنفلاً فهو بهذا الاعتبار يستدل به لكن تعديته بنفسه تشعر بأنّ المراد به الإتيان بالفعل طوعا وهو لا ينافي الوجوب أيضاً وقوله غتيرو: " اسعوا " أمر بالسعي مع التعليل والتأكيد بأنّ الله كتب عليكم يفيد غاية الوجوب بحيث يفوت الجواز بفواته وهو معنى الركنية وهو حديث صحيح أخرجه أحمد والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه والجواب عما ذكره أنه لا يقتضي إلا الوجوب المؤكد ولا دلالة على الركنية، قال الجصاص: وفي حديث الشعبي عن عروة بن مضرس الطائي أنه قال أتيت النبيّ! وو بالمزدلفة فقلت: يا رسول الله جئت من جبل طيّ ما تركت جبلا إلا وقفت

الصفحة 259