كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

تبعاً للزمخشريّ، وقيل: هو القائم بذاته ووجه المبالغة عليهما زيادة الكم والكيف، قال الراغب: يقال قام كذا أي دام وقام بكذا أي حفظه والقيوم القائم الحافظ لكل شيء والمعطي له ما به قوامه وذلك هو المدى المذكور في قوله تعالى: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [سورة طه، الآية: 50] ووله: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [سورة الرعد، الآية: 33] والظاهر منه أنّ القيام بمعنى الدوام ثم يصير بسبب التعدية بمعتى الإدامة وهو الحفظ فأورد عليه أنّ المبالغة ليست من أسباب التعدية فإذا عرى القيوم عن أداة التعدية لم يكن إلا بالمعنى اللازء فلا يصح تفسيره بالحافظ ثم إن المبالغة في الحفظ كيف تفيد إعطاء ما به القوام ولعله من حيث إن الاستقلال بالحفظ إنما يتحقق بذلك لأنّ الحفظ فرع التقؤم فلو كان ا! وّم بغيره لم يكن مستقلا بالحفظ وعلى هذا لا يرد ما يورد على تفسير الطهور بالطاهر بنفسه
لمطهر لغيره من أن الطهارة لازم والمبالغة في اللازم لا توجب التعدي وذلك لأنّ البالغة في اللازم ربما تتضمن معنى آخر متعديا بل المعنى اللازم قد يتضمن بنفسه ذلك كالقيام المتضمن لتحريك الأعضاء، نعم يرد على من فسره بالقائم بذاته المقوّم لغيره ولا يتأتى هنا ما أجاب به في الكشف عن الطهور من أنه لما لم تكن الطهارة في نفسها قابلة للزيادة رجع المبالغة فيها إلى انضمام معنى التطهير إليها لأنّ اللازم صار متعديا وذلك لأنه قابل للزيادة كما مرّ على أنه قيل: إنّ انضمام معنى التطهير لما كان مستفادا من المبالغة بمعونة عدم قبول الزيادة كانت المبالغة سبباً للتعدي، ورد بأنّ المعنى اللازم باق بحاله والمبالغة أوجبت انضمام معنى التعدي إليه لا تعدية ذلك اللازم وبينهما فرق ثم إنّ القوام المذكور في إعطاء ما به القوام فسروه بمعنى الوجود إذ جعله بمعنى آخر غير مناسب، فقد ظهر له معنى ثالث وأورد على تفسيره بالقائم بذاته أنه يكون معنى قيوم السموات والأرض الوارد في الأدعية المأثورة واجب السموات والأرض وهو ركيك، فالظاهر غيره من المعاني ولما زادوا في تفسيره القائم بذاته المقوم لغيره فسروا القيام بالذات بوجوب الوجود المستلزم لاجتماع جميع الكمالات والتنزع عن سائر وجوه النقص والتقويم للغير يتضمن جميع الصفات الفعلية فمن ثمة قيل: إنه الاسم الأعظم. قوله: (قال ابن الرقاع) هو عديّ بن رقاع بوزن كتاب العاملي من قصيدة وقبله:
وكأنها بين النساء أعارها عينيه أحور من جاذر جاسم
وسنان اقصده النعاس فرنقت في عينه سنة وليس بنائم
فقوله: ليس بنائم يدلّ على أنّ السنة ما يتقدم النوم، وأقصد بمعنى رمى سهما قتل من أصابه ورنق بمعنى خا اط من رنق الطائر صف جناحيه ليريد الوقوع، وجاسم قرية من قرى الشأم، وقال الفضل: السنة في الرأس والنعاس في العين والنوم في القلب، وقوله: رأسا فيه لطف. قوله: (وتقديم السنة عليه وقياس المبالنة عكسه الخ) يعني أنه راعى في الترتيب الوجودي فلتقدمها على النوم في الخارج قدمت عليه في اللفظ والقياس يقتضي التأخير لأنّ المعروف في الإثبات تقديم الأقل وفي النفي عكسه وقيل: إنه على طريق التتميم وهو أبلغ لما فيه من التأكيد إذ نفي السنة يقتضي نوم النوم ضمنا فإذا نفى ثانيا كان أبلغ ورد بأنه إنما هو على سبيل أسلوب الإحاطة والإحصاء وهو يتعين فيه مراعاة الترتيب الوجودي والابتداء من الأخف فالأخف كما في قوله تعالى: {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [سورة الكهف، الآية: 49] وهذا كله مما لا حاجة إليه لما قال الإمام السبكي الأخذ هنا بمعنى القهر والغلبة كما ذكره الراغب وغيره من أئمة اللغة كقوله تعالى: {أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} ! سورة القمر، الآية: 42] فالمعنى
لا تغلبه السنة ولا النوم الذي هو أكثر غلبة فالترتيب على مقتضى الظاهر ولو كان المعنى لا تعرض له سنة ولا نوم كان كما ذكروه وهو دقيق أنيق. قوله: (والجملة نفي للتشبيه) يعني أنها لتنزيه الله تعالى أن يكون له مثل من الإحياء لأنها لا تخلو من هذا فكيف تشابهه وكونه تأكيدا للقيوم ظاهر لأنه الحافظ القوي ومن يعتريه النوم والفضلة لا يكون كامل الحفظ وكذا للحيّ لأنّ النوم آفة تنافي دوام الحياة وبقاءه وصفاته تعالى قديمة لا زوال لها فلا يرد عليه أنّ الظاهر الاقتصار جلى أنه تأكيد للقيوم كما في الكشاف، وقوله: ولذلك ترك العاطف الخ أي لكونه تأكيدا وكذا ما بعده أيضا

الصفحة 333