كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

تشهدوا رجلين فاستشهدوا رجلاً وامرأتين وحقيقته أمر الله أن تستشهدوا والضلال ليس من فعل المستشهد ولا من فعل الله فلهذا قدّر الإرادة وجعل فاعل الفعل المعلل هو الله لا المخاطبين أو يقال: حقيقة فليشهد أمر الله أن يشهد، فجعل فاعل الفعل هو الله لا امرأتان لأنه في بيان غرض الشارع من الأمر باستشهاد المرأتين لا بيان غرضهم، وذلك لأنّ النسيان غالب على طبع النساء لكثرة الرطوبة في أمزجتهن واجتماع المرأتين على النسيان أبعد في العقل من نسيان المرأة الواحدة فلهذا أقام الشرع المرأتين مقام الرجل الواحد حتى أنّ إحداهما لو نسيت ذكرتها الأخرى، وتقرير الجواب أنّ المراد من الضلال الإذكار لأنّ الضلال سبب للإذكار فأطلق السبب والمراد المسبب فكأنه قيل: إرادة الإذكار عند الضلال كما أنّ المراد من المثال إرادة الإدعام عند ميلان الحائط، قال الزجاج: زعم سيبويه والخليل والمحققون أنّ المعنى استشهدوا امرأتين لأنّ تذكر إحداهما الأخرى ثم سألوا لم جاء أن تضل وكيف يستشهد امرأتان للضلال وأجابوا بأن الإذكار سببه الضلال فجاز أن يذكر ويراد الإذكار كما قلت: أعددت هذا أن يميل الحائط فأدعمه وإنما أعددته للدعم لا للميل وإنما ذكرت الميل لأنه سبب الدعم، ولعل هؤلاء لما رأوا شرط نصب المفعول له منتفيا جعلوه مجروراً باللام لكن علة الاستشهاد ليس نفس الإذكار بل إرادته فيرجع إلى ما ذكره المصنف رحمه الله، وقيل: عليه متعلق الأمر والنهي قد يكون قيدا للفعل، وقد يكون قيدا للطلب نحو أسلم تدخل الجنة وأسلم لأني أريد الخير والعلة هنا لبيان شرعية الحكم واشتراط العدد فيجب أن يكون فعلاً للآمر وقيدا للطلب وباعثاً عليه وليس هو إلا إرادة الله تعالى للقطع بأنّ الضلال والتذكير بعده ليس هو الباعث على الأمر بل إرادة ذلك ثم إنّ النسيان وعدم الاهتداء للشهادة ينبغي أن يكون من الشيطان فلا يكون مراده تعالى سيما وقد أمر بالاستشهاد، وأجيب بأنّ الإرادة لم تتعلق بالضلال نفسه أعني عدم الاهتداء للشهادة بل
بالضلال المصرّح بترتب الإذكار عليه وتسببه عليه، ومن قواعدهم أنّ القيد هو مصب الغرض فصار كأنه علق الإرادة بالإذكار المسبب عن الضلال والمرتب عليه كما إذ! قلت إرادة أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت ومن الغلط في هذا المقام ما قيل: إنّ المراد من الضلالط الخ لظهور أنه لا يبقى حينئذ لقوله فتذكر معنى وأنه لا يوافق قول المصنف، واعلم أن هذا مأخوذ من كلام سيبويه رحمه الله وجمع من المحققين حيث قالوا: إنّ المعنى استشهدوا امرأتين لأن تذكر إحداهما الأخرى، وإنما ذكر أن تضل لأنّ الضلال هو السبب الذي به وجب الإذكار، إلا أن المصنف قدر الإرادة لأنه الباعث على الأمر لا الإذكار نفسه وكذا الكلام في المثالين وهذا بخلاف ما إذا كان الميل أو مجيء العدوّ حاصلا بالفعل فإنه يصح أعددت الخشبة لميل الجدار دون أن يميل الجدار، قيل: والنكتة في إيثار أن تضل على أن تذكر ان ضلت هي شدة الاهتمام بشأن الإذكار بحيث صار ما هو مكروه في نفسه مطلوبا لأجله من حيث كونه مقضيا إليه. (أقول (: ما ذكر العلامة هو كلام المتقدمين بعينه ولا غلط فيه وإنما الغلط من سوء الظن به إذ مراد. أنّ ذكر الضلال لم يرد به التعليلى بل أريد به بيان سبب التعليل، فقوله: أطلق السبب أي ذكر في معرض! التعليل والإرادة، والمراد أي الذي تعلقت به الإرادة للتعليل هو المسبب بدليل تفريع قوله فكأنه الخ عليه وقريب من هذا العطف أيضا ما سيأتي من أنّ العطف على المجرور باللام قد يكون للاشتراك في متعلق اللام مثل جئتك لأفوز بلقياك وأحوز عطاياك، ويكون هذا بمنزلة تكرير اللام وعطف الجارّ والمجرور على الجارّ والمجرور قد يكون للاشتراك في معنى اللام كما تقول جئتك لتستقرّ في مقامك وتفيض عليّ من إنعامك، فهي لاجتماع الأمرين ويكون من قبيل جاءني غلام زيد وعمرو أي الغلام الذي لهما وسيأتي تفصيله في سورة الفتح. قوله: (قرأ حمزة أن تضل على الشرط الخ) فالفعل مجزوم والفتح لالتقاء الساكنين والفاء في الجزاء، قيل: لتقدير المبتدأ وهو ضمير القصة والشهادة ولا يخلو عن تكلف بخلاف قوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ} [سورة المائدة، الآية: 95] أي فهو ومما كان ينبغي أن يتعرّض له وجه تكرير لفظ إحدإهما ولا

الصفحة 349