كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

الجلالة الكريمة والتأكيد وذكر ربه لما فيها من أنه لم يؤدّ دينه لم يخف الله ولم يمتثل أمره، ويحتمل في هذا الكلام لما ذكر ولتسمية الدين أمانة واجبة الأداء، وقوله: أو المديونون الخ والشهادة شهادتهم على أنفسهم بمعنى إقرارهم بما عليهم ولا يخفى أنه خلاف الظاهر والظاهر أنه خطاب للشهود المؤمنين..
قوله: (أي يأثم قلبه الخ) يعني قلبه فاعل آثم أو آثم خبر مقدّم والجملة خبر إنّ ثم أشار
إلى نكتة إسناد الإثم إليه مع أنه لو قال: آثم لتم المعنى مع الاختصار فوجه بوجو.، أحدها: أنّ الذي يقترفه أي يكتسبه هو القلب واسناد الفعل إلى الجارحة التي بها يفعل أبلغ كما يسند الإبصار إلى العين والمعرفة إلى القلب والنظير الذي ذكره إنما هو في إسناد ما للجملة إلى العضو، والثاني: أنه وإن كان منسوبا إلى الجملة لكن عير عنها أجزائها إشارة إلى عظم الفعل في نفسه لأنّ فعل القلب أعظم من سائر الجوارح فجعل الكتمان من آثام القلب تنبيها على أنه من أعظم الذنوب وترك توجيهاً آخر في الكشاف وهو أنه يظن أنّ الكتمان من فعل اللسان لا دخل للقلب فيه وليس كذلك فأسند له لينبه على ذلك لضعفه. قوله: (وقرئ قلبه بالنصب الخ) نصب القلب على التشبيه بالمفعول به وآثم صفة مشبهة وقيل: على التمييز وقيل: بدل من اسم إنّ، وقوله: تهديد مرّ وجهه، وقوله: خلقاً وملكاً فالأوّل إشارة إلى أنّ اللام للاختصاص واختصاصها به من جهة كونها مخلوقة أو لا شريك له في الخلق والثاني إشارة إلى كونها للملك فلا يقال من أين يؤخذ هذا من النظم، وقوله: والعزم عليه الخ أي لأنّ مجرّد ما يخطر بالبال لا يعد ذنبا بدون العزم والتصميم حتى يحتاج إلى المغفرة كما سيأتي. وكونه حجة على منكري الحساب بحسب الظاهر فلا يضرّ تأويلهم له بما يخالف الظاهر، وكذا نفي الوجوب لتعلقه بالمشيئة وأما احتمال أنّ تلك المشيئة واجبة كمن يشاء صلاة الفرض فإنه لا يقتضي عدم الوجوب فخلاف الظاهر. قوله: (ومن جزم بنير فاء الخ) إنما جعلوه بدلاً لاً نهم يقولوا بتعدد الجزاء كالخبر قيل: ولا مانع منه نحو إن تاتني أطعمك أكسك وقوله: بدل البعض من الكل أو الاشتمال قيل: إن أريد بقوله يحاسبكم معناه الحقيقي فيغفر بدل اشتمال كقولك أحب زيدا علمه وان أريد به المجازاة فهو بدل بعض كضربت زيداً رأسه، وقال الطيبي رحمه الله: الضمير المجرور في به يعود إلى ما في أنفسكم وهو مشتمل على الخاطر السوء وعلى خفيّ الوسواس وحديث النفس والمغفرة والعذاب يختص بما هو عزيمة فهو بهذا الاعتبار بدل بعض من كل وأما قول أبي حيان رحمه الله وقوع الاشتمال في الأفعال صحيح لأنه جن! تحته أنواع يشتمل
عليها وأما بدل البعض فلا إذ الفعل لا يتجزأ فليس بشيء لأنه إذا كان جنساً فله جزئيات يجري فيها ذلك. قوله:
(متى تأتناتلمم بنا في ديارنا تجد حطباً جزلا وناراتأججا (
جعل الإلمام بدلاً من الإتيان إمّ بدل بعض لأنه إتيان لا توقف فيه فهو بعضه أو اشتمال
لأنه نزول خفيف، وألف تأججاً ألف تثنية للنار والحطب يقال تأججت النار أي التهبت وتأجج الحطب إذا وقع فيه النار، أو ألف إطلاق وفاعل تأجج ضمير النار لتأويله بالقبس وقيل: أصله تتأجج فحذفت إحدى التاءين ولحقته نون التوكيد الخفيفة ثم صارت ألفاً في الوقف وهو بعيد وهو عبارة عن الجود وكثرة الضيفان. قوله: (وإدغام الراء في اللام لحن الخ) هذا مما تابع فيه الكشاف وهو من دائه العضال إذ هو يعتقد أنّ القراءة بالرأي وهو غلط فاحش وكيف يكون لحناً وهي قراءة أبي عمرو إمام القرّاء والعربية والمانع من الإدغام تكرير الراء وقوّتها والأقوى لا يدغم في الأضعف وهو مذهب سيبويه والبصريين وأجاز ذلك الفراء والكسائي والرواسي ويعقوب الحضرمي وغيرهم ولا حاجة إلى التطويل فيه وليس هذا مما يليق بجلالة المصنف رحمه الله تعالى وقد يعتذر له بما ذكره صاحب الإقناع من أنه روي عن أبي عمرو رحمه الله أن رجع عن هذه القراءة فيكون الطعن في الرواية لا في القراءة فتدبر. وقال الزجاج رحمه الله: لما ذكر الله عز وجل في هذه السورة فرض الصلاة والزكاة والطلاق والحيض والإيلاء والجهاد وقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والدين والربا ختمها بقوله: آمن الرسول الخ، لتعظيمه وتصديق نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لجميع ذلك المذكور قبله وغيره ليكون

الصفحة 352