كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
الشهداء ليشهدوا بأنّ ذلك الواحد مثل له لا أنّ ما أتى به مثل للمنزل وهذا الإيهام مخل بمتانة المعنى وفخامته، وترجيح رجوع الضمير للمنزل بهذه الوجوه يقتضي ترجيح كون الظرف صفة للسورة أيضأ كما قرّره السيد، وقد أورد هنا أمور كثيرة لا طائل تحتها كما قيل من أنّ عدم الملاءمة ممنوعة لجواز أن يكون الأوّل طالبا للإتيان بسورة من مثل المنزل إليه والثاني طلباً له من الكل على سبيل الترقي (قلت فيه بحث الأنه قد أشير فيما سلف إلى أنّ المراد بالسورة المأني بها سورة تماثل نظم القرآن لأنه هو المتحدّي به لا غيره سواء رجع الضمير إلى المنزل أو العبد أمّا في الأوّل فظاهر مسلم، وأمّا في الثاني فلأنه معلوم من السياق وعنوان السورة ناطق به فيكون حينئذ قوله فأتوا بسورة من مثله في الوجه الثاني مشتمل على معناه الأوّل مع زيادة ذكراً لمأتيّ منه ولا يخفى أنّ المأمور بالإتيان على كل حال واحد وان كان الجميع ظاهراً إلا أنه ليس المراد به ليأت بذلك كل فرد فرد بل أنهم إذا ارتابوا وأتى بمثله واحد منهم بين أظهرهم فكأنهم أتوا به أجمعون فيجوز أن يكون قوله من مثل هذا العبد توسيعاً للدائرة كأنه قيل ليأت واحد منكم كائناً من كان بمقدار سورة ما.
وقوله: {وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم} [سورة البقرة، الآية: 23] بمعنى احضروا بأجمعكم في
وقت الإتيان ليتحقق عجز الجميع وإنواو لا تقتضي ترتيبا على أنّ الوجوه يجوز توزيعها على الاحتمالين وتعدّبه بالباء كقوله: ائتوني باخ لا يتبادر منه الفعل فهو مؤيد له أيضاً فتدبر. قوله: (فإنه أمر الخ) أمر بصيغة المصدر مرفوع خبر لأنّ والباء متعلقة به وهو تعليل لعدم الملاءمة
على غير الأوجه كما سمعته آنفاً، وقوله يستعينوا بكل من ينصرهم ويعينهم تفسير له بحاصل معناه على كل الوجوه الآتية، وقيل معناه ادعوا حاضريكم ليعاونوكم على إتيان مثل المنزل أو ليشهدوا لكم أنكم قادرون على إتيانه، والدعاء قيل معناه الحضور وقيل الاستعانة والمصنف اختار الثاني، وقوله بكل من ينصرهم تعبير عن الشهداء بأيّ معنى كان لأنه جعل الدعاء بمعنى الاستعانة وهي إنما تكون من الناصر ومعنى النصرة متحقق في الجميع وقد أشرنا سابقاً إلى ما فيه فتذكر، وجعل أبو البقاء رحمه الله ضمير مثله للأنداد وتذكيره كتذكير الأنعام ولكونه تكلفاً مخالفاً للظاهر لم يلتفتوا إليه أصلاً، ثم إنّ المصنف رحمه الله ترك قوله في الكشاف في تفسير قوله: {مَن مَّثَلُهُ} ولا قصد إلى مثل ونظير هنالك، ولكنه نحو قول القبعثري للحجاج وقد قال له: لأحملنك على الأدهم مثل الأمير حمل على الأدهم والأشهب أراد من كان على صفة الأمير من السلطان والقدرة وبسطة اليد ولم يقصد أحداً يجعله مثلاَ للحجاج لأنه مع ما فيه من الخفاء وعدم المساس له هنا ليس تحته فائدة كما يعلم من شروح الكشاف. قوله: (والشهداء جمع شهيد الخ) الشهود والشهادة الحضور والمشاهدة وهي تطلق على التحقق بالبصر أو البصيرة وقد تقال لمجرّد الحضور نحو ما شهدنا مهلك أهله أي ما حضرناه فالشهيد كالشاهد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة وهي قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصر أو بصيرة من شهد كعلم ويتعين فيها لفظ الشهادة شرعاً عند بعضهم وفي المصباح أنه تعبدي والقول بأنها الخبر القاطع بناء على ما اشتهر عند الحنفية من تعريفها بأنها إخبار بحق للغير على آخر، وقد خالفهم فيه الشافعية فقالوا إنها إنشماء يتضمن الإخبار بالمشهودية لا إخبار وعزوا الثاني لأبي حنيفة وأنكره السروجيّ وقال لا نعرفه وإنما هي إنشاء عندنا أيضا ولك أن تقول لا خلاف بينهما عند التحقيق واطلاق الشهيد والشاهد على الناصر والمعين مصرّح به في اللغة وكذا على الإمام ويه فسر وقله ونزعنا من كل أمّة شهيدا لأنّ الشهادة تكون بمعنى الحكم كما ذكره الراغب وبه فسر فوله تعالى: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} [سورة اس عمران، الآية: 18] والإمام كل مقتدي بأقواله وأفعاله وخصيصه بإمام الصلاة طارى في عرف الشرع وبالسلطان في العرف العامّ وقال الراغب: الشهيد كل من يعتد بحضوره ممن له الحل والعقد ولذا سموا غيره مخلفاً كما قال الشاعر:
مخلفون ويعصى الناس أمرهم وهم مغيب وفي عمياء ما شعروا
ومن لم يتفطن لهذا قال مجيء الشهيد بمعنى الإمام في اللغة محل نظر لأنه لم يذكر
لي القاموس مع كمال إحاطته وأعجب منه أنه افترى على صاحب القاموس فإنه قال الشاهد ص! أسماء النبيّ صلى الله عليه