كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

هذا دون ذاك إذا كان أحط منه قليلاً، ودونك هذا أصله خذه من دونك أي من أدنى مكان منك فاختصر وأستعير للتفاوت في الأحوال والرتب فقيل زيد دون عمرو في الشرف والعلم، ومنه قول من قال: لعدوّه وقدراً بالثناء عليه أنا دون هذا وفوق ما في نفسك واتسع فيه فاستعمل في كل تجاوز حدّ إلى حدّ وتخطى حكم إلى حكم، قال قدّس سرّه قوله: ويقال الخ بيان لاستعمال دون بمعنى أدنى كان على حقيقته الأصلية، وقيل هو إشارة إلى استعماله في انحطاط محسوس لا يكون في ظرف كقصر القامة فهذا أوّى توسع فيه ثم استعير للتفاوت في المراتب المعنوية تشبيهاً بالمراتب الحسية وشاع استعماله فيها أكثر من استعماله في الأصل ثم اتسع في هذا المستعار فاستعمل في
كل تجاوز حدّ إلى حدّ ولو بدون تفاوت وانحطاط وهو في هذا المعنى مجاز في المرتبة الثانية على ما وجهناه وفي المرتبة الثالثة على هذا القول وبالجملة هو بهذا المعنى قريب من أن يكون بمعنى غير كانه أداة استثناء، انتهى وهذا زبدة ما في الكشاف وشروحه ولا فرق بينه وبين كلام المصنف رحمه الله إلا بتغيير يسير في اللفظ دون المعنى وقول الشريف وشاع استعماله الخ إشارة إلى أنّ المجاز المشهور ينزل منزلة الحقيقة حتى يبنى عليه تجوّز آخر بمرتبة أو مراتب كما قرّره أهل المعاني، والاستعارة هنا يجوز أن تكون اصطلاحية ولغوية على أنه مجاز مرسل ثم إنه في الكشاف قدم ذكراً لدون بمعنى الدني والخسيس على التجوّز فيه، والمصنف رحمه الله أخره وجعله مما استعير للرئب فتوهم بعضهم اً نه ردّ ضمنيّ لما في الكشاف ولم يقنع به حتى قال إذا تأمّلت تبين لك أنّ مراد المصنف في هذا المقام الإشارة إلى أنّ ما في الكشاف خبط وخلط في تقرير.، ولم يدر أن الذي خبط ابن أخت خالته لأنّ العلامة قدمه لأنّ النحاة وأهل اللغة قالوا إنّ دون إذا كان ظرفاً لا تصرّف إلا نادراً حتى أبطلوا قول الأخفش أنّ دون في قوله تعالى: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} [سورة الجن، الآية: اا] مبتدأ بأنه تخريج للتنزيل على ما هو مرجوح وهو غير لائق وعلى الظرفية لا تدخله أل ومعناه حينئذ أدنى مكان وإذا كان بمعنى خسيس لم يستعمل قط ظرفا ويعرّف باللام ويقطع عن الإضافة كما في قوله:
إذا ما علا المرء رام العلا ويقنع بالدون من كان دونا
قالوا وريس لهذا فعل وقيل إنه يقال دان يدون منه، وبما ذكر علم أنّ ما في القاموس من
أنه يقال هذا رجل من دون ولا يقال دون مخالف للنقل والسماع و؟ نّ من اعترض به لم يصب، وكلامهم صريح في أنه حقيقة في هذا المعنى كما في الصحاح والأساس فذكره معه لاشتراكهما في المادّة وتناسبهما في المعنى لا أنه من مجازه والمصنف رحمه الله لما رآه مناسبا بالتفاوت الرتب جعله منه فيحتاج حينئذ إلى أن يقال إنه لما كثر استعماله صار حقيقة عرفية فيه فألحق بأسماء الأجناس في تنكيوه وتعريفه.
تنبيه: وقع في الكشاف في بعض المواضع تفسير دون بقوله فضلا ولم يتعرّضحوا له، وفي
كتاب الموازنة لأبي الحسين الآمديّ في شرح قول أبي تمام:
الودّ للقربى ولكن عرفه للأبعد الأوطان دون الأقرب
هذا مما خطئ فيه، وقد قيل: إنه أراد بقوله دون الأقرب فضلا عن الأقرب أي فكيف الأقرب، وهذا وان كان مذهبا للناس حيث يقولون أرض بالقليل دون الكثير وأقنع بقرص من شعير دون ما سواه وهو صحيح معروف. قلت هذا فاسد لأن معنى دون في اللغة التقصير عن الغاية وأمّا ما تأوّلوه فهو معنى بله وموض! وعها دع ودون لا تتضمن هذا المعنى ولا تؤدّبه انتهى.
قوله: (أي لا يتجاوز الخ) تفسير للآية بما يتبين منه أنّ دون دالة على تخطي حكم وهو ولاية المؤمنين إلى آخر وهو ولاية الكافرين وقد قيل إن تجاوز الله وتجاوز المؤمنين المراد به غير الله وغير المؤمنين لكن لما كان في ذلك تجاوزهما عما أضيف إليه عبر بما يلزمه عنه تسامحاً وولاية بفتح الواو وكسرها بمعنى الموالاة والمصادقة، وقابل من في النظم بالى إشارة إلى أنها ابتدائية كما سيأتي ثمة، وأمية بصيغة التصغير كما هو معروف هو أمية بن أبي الصلت الشاعر الجاهلي المشهور أحد من وحد الله تعالى في زمن الفترة وترك الشرك وهذا ابتداء شعر له وهو:

الصفحة 40