كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

سيوجد بعد وقت النزول لا لفظا بل لما تواتر من دينه كقوله: حكمي على الواحد حكمي على الجماعة كما ذكر في كتب الأصول من أنّ خطاب المشافهة إنما يثبت لمن بعد الموجودين بدليل آخر لم يصب ولو كان كما زعم لم يكن الناس عامّا السياق مناد على خلافه والعجب أنه مع تخصيصه بالموجودين جعله عامّاً وتبعه فيه بعضهم وأطال بغير طائل (وههنا بحث) يجب التنبه له وهو أنّ خطابه تعالى بكلامه لعباده أزليّ قائم بذاته، والنظم القرآنيّ بإزائه وخطاب المعدوم أزلاً، وتكليفه مقرّر عند الأشاعرة والظاهر أنه حقيقة والا يكن جميع ما في القرآن من الخطاب مجازاً ولا يخفى بعده عن ساحة التنزيل ويوجه أيضا بتقدير قولوا والمأمور الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، ونوّابهم من أئمة الدين في تبليغ الأمّة إذا وجدوا، وعلى هذا الفرض والتقدير لا يحتاج إلى التجوّز أصلاً كما ذهبوا إليه كما سمعته آنفا على أنه لو لم يكن من التأويل محيص، فالقول بأنه يدل على ما ذكر بدلالة النص المؤيدة بالإجماع أقرب، وقد حام صاحب التحرير حول هذا التقرير وان لم يفك عقدة تعقيده، وقوله لفظا تمييز ولما بكسر اللام وتخفيف الميم، وقوله إلا ما خصه الدليل أي القائم على تخصيص عمومه بخروج بعض منه كالصبيّ والمجنون. قوله: (وما روي عن علقمة الخ) قال السيوطيّ: أخرجه أبو عبيد في فضائل القران عن علقمة وسيمون بن مهران وأمّا روايته عن الحسن فلم يسنده أحد وقد
صح عن ابن مسعود أيضا كما أخرجه البزار في مسنده والحاكم في المستدرك والبيهقيّ في دلائل النبوّة فقول الطيبي أنه لم يجده في شيء من كتب الحديث من تقصيره، والمراد بالرفع في قوله إن صح رفعه اتصالط سنده بمن ذكره لأنّ الناقل لا يلزمه غير تصحيح نقله فالرفع بمعناه اللغويّ أو تجوّز فلا يرد عليه ما قيل من أنّ المرفوع قول النبي صلى الله عليه وسلم أو الصاحب فيما يتعلق بالنزول ونحوه مما لا يقال بالرأي وعلقمة والحسن ليسا من الصحابة، ولو سلم فالمراد رفعه للصحابي أو النبيّ صلى الله عليه وسلم فقولهما في حكم المرفوع المرسل ثم إنه قد علم أنّ للمكيّ والمدني ثلاث معان مفصلة في البرهان والاتقان وقد قيل إنّ هذا لا يتمشى على واحد منها وهو منقوض! بأمور منها: أنّ هذه السورة مدنية وفيها يأيها الناس ومن السور ما فيه يأيها الناس ويا أئها الذين آمنوا، وادّعاء تكرير النزول تعسف فإن كان هذا لكثرة المؤمنين بالمدينة فضعيف وقد اضطربوا في التوجيه فمن قائل المراد أنه خطاب جل المقصود به أهل مكة أو المدينة، وقال الإمام الجعبريّ في كتابه حسن المدد معرفة النزول لها طريقان السماع، والقياس. فالأوّل ما وصل إلينا نزوله بأحدهما والثاني كما قال علقمة عن عبد الله: كل سورة فيها يأيها الناس فقط أو أوّلها حرف تهج سوى الزهراوين والرعد في وجه أو فيها قصة آدأ وابليس سوى الطولى فهي مكية وكل سورة فيها يأيها الذين آمنوا وذكر المنافقين فهي مدنية وقال هشام بن عروة: عن أبيه كل سورة فيها قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأمم الخالية والعذاب فهي مكية وكل سورة فيها لريضة أو حد مدنية انتهى. ومنه يعلم أن ما ذكر مما قاله السلف وكونه أيهثر ما لم يرد به التخصيص بعيد جداً وهذا نقله البقاقي في كتاب مصاعد النظر ونقله عن الإمام الشافمي من غير اعتراض عليه فإذا صح هذا من التابعين وكبار السلف فهو قول لهم لا مشاحة فيه ولا وجه للاعتراض عليه. قوله: (فلا يوجب تخصيصه بالكفار الخ) قيل عليه إنه لم يستدل أحد بهذا الأثر على اختصاص هذه الآية بالكفار حتى يحتاج المصنف رحمه الله تعالى إلى دفعه وغاية ما استدلّ به أنه مكيّ نزل بمكة مع عمومه للمؤمنين والكفار لأنّ سبب النزول ليس بمخصص وليس بشيء لأنه إذا سلم أنّ المراد مشركو مكة احتمل العهدية واختص لا سيما والنفاق في الصدر الأوّل إنما حدث بعد الهجرة وقد ذهب إلى التخصيص على هذا الزمخشريّ، حيث قال أو إلى كفار مكة خاصة على ما روي عن علقمة الخ. وارتضاه في شرح التأويلات ولبعضهم هنا كلام مشوّحر! تركه خير من ذكره. قوله: (ولا أمرهم بالعبادة الخ) عطف على قوله تخصيصه، أي لا يوجب أمر الكفار حال كفرهم بإداء العبادة فإنه باطل ولذا لم يجب عليهم القضاء بعد الإسلام بل هم مأمورون بما يتوقف

الصفحة 5