كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
المؤمنين لما أخبر به النبيّ عليه الصلاة والسلام عن ربه محدث عندهم في أوّل وهلة علما بذلك صح باعتباره وقوعها صفة ولكونها غير معلومة لهم بتلك الصفة قبل ذكرها نكرت فإذا ذكرت مرّة أخرى كانت معهودة عند المؤمنين وغيرهم فلا بد من سبق ذكر سواء كان باية مكية أو مدنية تكرّر نزولها أولاً، ولذا قيل كونها مكية كناية عن سبق ذكرها لكته تعسف لا وجه له وأما كونه لا يشترط العلم في صفات النكرات فخالف لما صرّح به الثقات ولا يخالفه كما توهم ما في الكشاف في سورة الأنعام في تفسير قوله: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ} [سورة الأنعام، الآية: 50 ا] حيث قال فإن قلت هلا قيل قل هلمّ شهداء يشهدون أنّ الله حرّم هذا وأيّ فرق بيته وبين المنزل. قلت المراد أن يحضروا شهداءهم الذين علم أنهم يشهدون لهم وينصرون قولهم وكان المشهود لهم يقلدونهم ويثقون بهم ويعتضدون بشهادتهم ليهدم ما يقومون به فيحق الحق ويبطل الباطل فأضيفت الشهداء لذلك وجيء بالذين للدلالة على أنهم شهداء معروفون موسومون بالشهادة لهم وبنص! رة مذهبهم انتهى. وسيأتي ما يتممه ثمة. قوله: (هيئت لهم) الإعداد والعتاد إحضار الشيء قبل الحاجة إنيه وهو عدة وعتيد ومنه الاسنعداد، وقوله: والجملة استئناف الخ هذا مما أهمله الزمخشريّ، وفي شرح التفتازانيّ لا يحسن الاستئناف والحال، وعندي أنها صلة بعد صلة كما في الخبر والصفة فإن أيبت بناء على أنه لم يسطر في كتاب فليكن عطفا بترك العاطف لكن عطف وبشر على لفظ المبنيّ للمفعول عليه يقوي جانب الاستئناف (أقول) في الدرّ المصون الظاهر أنّ هذه الجملة لا محل لها لكونها مستأنفة جوابا لمن قال: لمن أعدت وقال أبو البقاء: محلها النصب على الحال من النار والعامل فيها اتقوا قيل: وفيه نظر لأنها معدة للكافرين اتقوا أم لم يتقوا حاضية
83
فكيف يكون حالاً والأصل في الحال التي ليست مؤكدة أن تكون منتقلة فالأولى أن يكون استئنافاً، ولا يجوز أن يكون حالاً من ضممير وقودها لأنه جامد إن كان اسما للحطب، وأن كان مصدرا خيفة الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر وهو أجنبيّ منه وقال السجستاني: أعدت للكافرين من صلة التي كقوله: {وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [سورة آل عمران، الآية: 131] قال ابن الأنباري: وهذا غلط لأنّ التي وصلت بقوله: {وَقُودُهَا النَّاسُ} فلا يجوز أن يوصل بصلة ثانية بخلاف التي قلت ويمكن أن لا يكون غلطا لأنا لا نسلم أنّ وقودها الناس والحالة هذه صلة بل إمّا معترضة لأنّ فيها تأكيدا وأمّا حالي وهذان الوجهان لا يمنعهما معنى ولا صناعة (أقول) ما قالوه من أنّ تعدد الصلة غير جائز غريب منهم فإنّ الإمام المرزوقي قال في شرح قول الهذليّ:
بازيّ التي تهوي إلى كل مغرب إذا اصفرّ ليط الشمس حان انقلابها
يجوز أن تتمّ الصلة عند قوله مغرب ويكون إذا اصفرّ كلاماً آخر يصلح أن يكون صلة بانفراده كان المراد بازيّ التي تفعل ذا وهو هويها إلى المغارب وتفعل ذا أيضاً وهو انقلابها بالعشيات لكنه لو عطف عليه بالواو كان أحسن وأبين ويكون هذا كقولك زيد الذي يشرب يأكل ينام يصلي وحرف العطف يحذف من أثناء الصلات إذا توالت والصفات كثيراً انتهى. يعني أنّ تعدد الصلات والصفات كثير بعاطف وبدونه لا أنه حذف حقيقيّ فأنت تراه كيف أثبت كثرته بدون اختلاف فيه وناهيك به فقول الفاضل أنه لم يسطر في كتاب سهو كان ذلك في الكتاب مسطورا، وقوله إن عطف وبشر يقوّي الاستئناف إن كان استئنافا نحويا فله وجه والا فلا لأنّ السؤال عما يتعلق بالنار فلا وجه لعطف وبشر عليه إلا بتكلف وفي كون الخبر أجنبيا تردد لبعض الفضلاء سيأتي. قوله: (وفي الآيتين دليل الخ) وقع في نسخة ما يدل بدل دليل وما قيل عليه من أنه ليس في الآية أمر يدلّ عليها من وجوه بل أمور تدلّ عليها إلا أن يقال: لم يتعلق من وجوه بالدلالة بل هو بيان لما ليس بشيء لأنّ محصلهما التحدي على وجه الجزم وهو أمر دال عليها بالطرق المذكورة وجزء الدليل يصح أن يطلق عليه أنه دليل والأمر فيه سهل، وظاهر كلامهم أنّ الدلالة المذكورة من الثانية فقط ولكل وجهة وسيظهر وجه ما اختاره المصنف، والتحدّي من قوله: {فَأْتُواْ بِسورة} والتحريض والحث من قوله: {وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم} وقوله: بالتقريع الخ متعلق بقوله التحريض