كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
والمخالف فيه المعتزلة والكلام فيه مشهور في الكلام، وليس! المراد بالدليل البرهان القطعيّ كما عرفته بل ما يتبادر من النظم بعد تحقق أنه كلام الله فإن الإعداد بمعنى التهيثة والادّخار إنما يستعمل حقيقة فيما وجد وان ورد لما سيوجد كقوله تعالى: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً} [سورة الأحزاب، الآية: 35] إلا أنه خلاف الظاهر فجعل الماضي بمعنى المستقبل الذي يخلق يوم الجزاء لتحققه (سانحة) قوله تعالى: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} كتسميتهم أصحاب النار فيه إيماء إلى أنّ من يدخلها من المؤمنين لا يخلد فيها ولا يعذب بأشد العذاب لأن الطارئ على صاحب الدار ليس مثنه في لزوم سكناها وتلبسه بما فيها لتطفله عليها كماقيل:
فكم أحديحوي مفاتيح جنته ويقرع بالتطفيل باب جهنم
ففيه تبشير خفيّ وارتباط معنوقي بما بعده. قوله: (عطف على الجملة السابقة الخ) هذا
من عطف القصة على القصة، وهذا كما قيل:
فيا لها قصة في شرحهاطول
وتحقيقه كما قال قدّس سرّه إنّ العطف قد يكون بين المفردات وما في حكمها من الجمل التي لها محل من الإعراب وقد يكون بين غيرها كما يكون بين قصتين بأن يعطف مجموع جمل متعدّدة مسوقة لمقصود على مجموع جمل أخرى مسوقة لغرض آخر فيعتبر حينئذ التناسب بين القصتين دون آحاد جملها، ونظيره في المفردات الواو المتوسطة في قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [سورة الحديد، الآية: 3] ليست كالمتقدمة والمتأخرة إذ هي لعطف مجموع الصفتين الأخيرتين المتقابلتين على مجموع الصفتين الأوليين المتقابلتين،
ولو اعتبر عطف الظاهر وحده لم يكن هناك تناسب ثم إنّ السكاكيّ لم يتعرّض في كتابه لعطف القصة على القصة أصلاً فالجامدون على كلامه تحيروا فمنهم من ذهب إلى تقدير معطوف عليه، ومنهم من أوّل الخبر بالطلب وما ذكر لا غبار عليه ولا اشتباه، وإنما الاشتباه في مثال الزمخشريّ وهو زيد يعاقب بالقيد والإرهاق، وبشر عمرا بالعفو والإطلاق لأنه من عطف جملة على جملة لا قصة على قصة فذهب الفاضل في شرح التلخيص إلى أنّ مراده أنّ القصد فيه إلى عطف مضمون جملة على مضمون أخرى بقطع النظر عن الإخبارية والإنشائية، وقال إنه خسن دتيق لكن من يشترط اتفاق الجملتين خبرا وانشاء لا يسلم صحته ولم يرتض به الشريف المرتضي وشنع عليه وقال: إنما أشار بما ذكر إلى قصتين متقابلتين فكأنه قال زيد يعاقب بالقيد والإرهاق فما أسوأ حاله وما أخسره فقد ابتلي ببلية كبرى وأحاطت به سيئاته إلى غير ذلك مما يناسبه وبشر عمرا بالعفو والإطلاق فما أحسن حاله وما أنجاه وما أربحه إلى أشياء أخر مناسبة له (أقول) تبع فيما ذكر صاحب الكشف والظاهر من كلام الزمخشرقي خلافه فمراده أن ينظر إلى مضمون الكلام ويقطع النظر عن خواص لفظه في المعطوف والمعطوف عليه ميلا مع المعنى كما قرّره النحاة في نحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن، وهذا شيء ثالث غير التأويل لأنه في التاويل يجعل الخبر إنشاء وعكسه بضرب من التجوّز، وهذا باق على حاله وإذا جاز مثله في المفردات فهنا بالطريق الأولى وتمثيله في الكشاف ظاهر فيه، وأمّا التقدير الذي ارتكبه فيه فبعيد جدّاً ولذا قال بعض الفضلاء المتأخرين إنما ذكر المثال شاهداً على دعوى فيها غرابة فينبغي أن يراعي فيها مطابقته لمقصوده حتى لا يبقى للخصم مجال وهم فلا ينبغي حذف بعض الجمل مع أنّ ملاك الأمر كثرتها كما اعترف به فإن قلت لو جوّزنا هذا لزم صحة العطف في كل خبر وإنشاء ولا قائل به لأنّ كل كلام يجوز قطع النظر عن خصوصه قلت لو التزم هذا لا محذور فيه مع أنه قد يقال لا بد له من اقتضاء المقام وكون المتكلم بليغا يلمح خلاف مقتضى الظاهر ووقع في بعض شروح الكشاف تسمية هذا بالعطف المعنوي. قوله: (والمقصود عطف حال من آمن الخ) هذا مبين لأنّ المراد بالجملة في كلامه معناها اللغويّ وهو المجموع لا ما اصطلح عليه النحاة، والمراد بالفعل أيضا في قوله لا عطف الفعل الفعل مع فاعله فإنه يطلق كثيرا على الجملة الفعلية خصوصا إذا كان الفاعل ضميراً مستترا وأما كونه حينئذ مجازا والتأكيد بنفسه يأباه فإنما يراعي مثله في كلام البلغاء على أنه غير مسلم كما سيأتي بيانه في تفسير قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [سورة النساء، الآية: 164] والتثبيط المنع والتعويق، والاقتراف الاكتساب ويردي بمعنى يهلك والردي الهلاك