كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

وقال الراغب: البشرة ظاهر الجلود والأدمة باطنه وفي كلام ابن قتيبة عكسه وتبعه بعض اللغويين وبشرته أخبرته بسارّ بسط وجهه، وذلك أنّ النفس إذا سرت انتشر الدم فيها انتشار
الماء في الشجر فينبسط الوجه وغضونه ولذا سمى الناس السرور بسطاً وقالوا في أمثالهم البسط صدف، وورد في الحديث فاطمة سني يبسطني ما يبسطها فليست بعامية كما يتوهم. قوله:) ولذلك قال الفقهاء الخ) قيل: عليه أنه غير عبارة الكشاف وهي البشارة الإخبار بما يظهر سرور المخبر به ولم يصب فيه لأن كون المخبر به غافلا عما أخبر به معتبر في مفهومها وهو يفهم من بارته دون عبارة المصنف فإنّ الخبر النافع يوصف بأنه سارّ سواء أحدث في المخاطب السرور او لم يحدث ثم إنه يعتبر في مفهومها قيد آخر أهمله الزمخشريّ وتبعه المصنف وهو كون الخبر صادقا فالبشارة هي الخبر الصدق السارّ الذي ليس عند المخبر علم به وفي شرح تلخيص الجامع أمّا الصدق فلأنّ البشارة اسم لخبر يفيد تغيير بثرة الوجه للفرح وهو لا يحصل إلا لالصادق وإن حصل فلا يتمّ بدونه، وأمّا اشتراط جهل المخبر به فلأنّ تغير بشرة الوجه للفرح لا يحصل بما علمه قبله لمشاهدة ونحوها وفي فتح القدير نحو مما ذكره المعترض وفيه أنه أ، رد على اشتراط الصدق في البشارة أنّ تغير البشرة كما يحصل بالأخبار السارة صدقا كذلك وحصل بها كذبا وقد أجيب عنه بما ليس بمفيد والوجه فيه نقل اللغة والعرف انتهى (أقول الا مرق بين كلام المصنف والزمخشريّ وكل منهما يدلّ على عدم علمه بما أخبر به التزاماً لأنّ اا! اقل لا يطلب الإخبار بما علمه وتحققه وليس المحل محل فائدة الخبر وأما الصدق فإنما لم / حعزضوا له هنا لأنه مشترك بين البشارة والإخبار والكلام في تقرير ما يفرق بينهما، وأمّا الصمدق هـ مد قال الجنازيّ في أصوله أنه من الباء فإنها في أصل وضعها للإلصاق ولا يلتصق الخبر، المخبر به ما لم يكن صادقا فلو ذكر بدونها شمل الصادق والكاذب فإن كل خبر فيه احتمال الصدق والكذرب، وما ذكره المصنف رحمه بعينه في الهداية وأحكام الجصاص على أنهم لما عللوا عتق الأوّل بتغير البشرة بكلامه علم منه أنه لم يسبق له عدم به على أنّ استيفاء جميع ااتيود ليس بلازم لغير الفقهاء فلا يضرّ إهمال بعض منها حوالة على محله وأهله. قوله:) فرادى (فيه إشارة إلى أنهم لو أخبروه جميعاً معاً عتقوا كلهم، وفرادى جمع فرد على خلاف ا) نياس، وقيل: كأنه جمع ة ردان وفردى مثل سكارى في جمع سكران وسكرى والأنثى فردة،! ردى كما في المصباح. وقوله: ولو قال من أخبرني الخ هذا ما عليه أكثر الفقهاء. وخالفهم
الإمام مالك رحمه الله تعالى فقال: لو قال من أخبرني عتق الأوّل فإنّ المراد بالإخبار البشارة كما يشهد به العرف، والجمهور استدلوا بأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " من أراد أن يقرأ القرآن غضا طريا كما أنزل فليقرأه بقراءة ابن أمّ عبد " فابتدر أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ليخبراه بذلك فسبق أبو بكر رضي الله عنه وكاًن سباقا إلى كل خير فأخبره بذلك ثم أخبره عمر رضي الله عنه فكان رضي الله عنه يقول بشرني أبو بكر وأخبرتي عمر فدلّ على الفرق بينهما لغة وعرفا. قوله: (وأمّا قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [سورة آل عمران، الآية: 21] الخ) أي هو من استعمال ما وضع للخبر السارّ في الخبر المورث للألم والحزن إن لم نقل بأنه موضوع لمطلق الخبر كما مرّ، وهو على الوجه الأوّل في كلام المصنف رحمه الله استعير فيه أحد الضدين وهو التبشير للآخر وهو الوعيد والإنذار والعذاب الأليم قرينة لها، وعلى الثاني وفيه تسكب العبرات هو نوع من خلاف مقتضى الظاهر يقال له التنويع وهو ادّعاء أن للمسمى نوعين متعارفا وغير متعارف على طريق التخييل ويجري في مواطن شتى منها التشبيه كقوله:
نحن قوم ملحن في زيّ ناس فوق طيرلهاشخوص الجمال
ومنها أت ينزل ما يقع في موقع شيء بدلاً عنه منزلته بلا تشبيه ولا استعارة كما في الاسنثناء المنقطع وما يضاهيه سواء كان بطريق الحمل كما في قوله:
تحية بينهم ضرب وجيع
أو بدونه كما في قوله: فأعتبوا بالصيلم وحيث أطلق التنويع فالمراد به هذا وقد جعلوا
مثاله أساساً وقاعدة له، وليس هذا من المجاز لذكر طرفيه مراداً بهما حقيقتهما ولا تشبيهاً لأنّ التشبيه يعكس معناه ويفسده ومنه يعلم أنه لا يصح فيه الاستعارة

الصفحة 59