كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

عليه من الإيمان وبأدائها بعده، والمنفيّ هنا أمرهم بذلك ابتداء، والمثبت في قوله فالمطلوب الخ. غيره فلا تنافي بينهم كما
توهم وحاصله أن طلب الفعل من المكلف لا يقتضي صحته منه بلا تقديم شرط كالمحدث المطلوب منه الصلاة وهذا إشارة إلى ما فصل في الأصول في تكليف الكفار بالفروع وعدمه. وفي النحرير ليس محل النزاع كما في المنهاج للمصنف مبنيا على أنّ حصول الشرط الشرقي ليس شرطاً للتكليف المستلزم عدم جواز التكليف بالصلاة حال الحدث بل ابتداء في جواز التكليف بما شرط في صحته الإيمان حال عدمه فمشايخ سمرقند على أنه شرط لصحته لخصوصية فيه لا لعموم كونه شرطا بل لأنه أعظم العبادات ورأس الطاعات، فلا يجعل شرطا تابعا في التكليف لما هو دونه، ومن سواهم متفقون على تكليفهم وإنما اختلفوا في أنه في حق الأداء والاعتقاد أو في الاعتقاد فقط فالعراقيون والشافعية ذهبوا إلى الأوّل فهم عندهم معاقبون على تركهما والبخاريون إبى الثاني، ولم ينص أبو حنيفة، وأصحابه على شيء فيها لكن في كلام محمد رحمه الله ما يدل عليها، وهو ظاهر قوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [سورة فصلت، الآية ة 6] ونحوه وأمّا خطابهم بالعقوبات والمعاملات فمتفق عليه فإن قلت قوله فالمطلوب الخ يدل على أنّ المطلوب من الكفار الشروع في العبادة بعد الإتيان بشرط فقط لا الزيادة والمواظبة، ومن المؤمنين الزيادة، والثبات لا غير، وكون الكفار مكلفين بالفروع على مذهبه يستلزم مطلوبية الكل منهم والمؤمن الذي لم يصدر منه إلا الإيمان يطلب منه الشروع في العبادة مع ما ذكر قيل المراد الشروع وما يقتضيه وقوله من المؤمنين الخ مبنيّ على أكثر الأغلب على أنّ المقصود ظاهر. قوله: (هو المشترك بين بدء العبادة الخ) إشارة إلى ما في الكشاف من السؤال والجواب من أنه لا يصح توجيه الخطاب إلى الفرق الثلاث، ولا إلى الكفار فقط كما روي عن علقمة لأنّ المتبادر من العبادة أعمال الجوارح الظاهرة ولا يؤمر بها المؤمنون العابدون لما فيه من تحصيل الحاصل ولا الكفارة لامتناع العبادة منهم بسبب فقد شرطها وهو الإيمان فيلزم التكليف بالمحال لا يقال: إنّ الأمر يتعلق بالمستقبل وليس المؤمن متلبساً بالعبادة المستقبلة حتى يكون تحصيلا للحاصل ولا يتجه السؤال لأنّ المتبادر من إطلاق اعبدوا إحداث أصل العبادة وهو حاصل فيتجه الجواب بأنّ المطلوب من المؤمنين ليس إيقاع أصل العبادة في المستقبل بل ازديادها وثباتها، وليس ذلك حاصلاً فلا إشكال وأنّ المطلوب من الكفار أصل العبادة على أنهم أمروا أن يأتوا بعد تحصيل شرائطها فإن الأمر بالشيء أمر بما لا يتمّ إلا به كأنهم قيل لهم حصلوا شرطها ثم افعلوها ولا استحالة في هذا بل في الأمر بإيقاعها مع انتفاء شرائطها كما مرّ، وما يقال من أنّ الإيمان أصل العبادات كلها فلو وجب بوجوبها انقلب الأصل تبعا مردود بأنّ الأصالة بحسب الصحة لا تنافي التبعية في الوجوب على أنّ هذا واجب أيضا استقلالاً بدلائل أخر، والجمع بينهما آكد في إيجابه والكلام فيه مفصل في محله فلا إفادة في الإعادة. قوله: (فالمطلوب من الكفار الخ) إشارة إلى أن اعبدوا أمر موضوع للأمر بالعبادة مطلقاً فهو عامّ فيها شامل لإيجاد أصلها والزيادة والثبات شمول رجل لأفراده وليس
موضوعا لأصلها حتى يلزم من تناوله لغيره الجمع بين الحقيقة والمجاز ولا موضوعا لكل منها استقلالاً حتى يلزم استعمال المشترك في معانيه، وشكلف دفعه بما لا وجه له، وقول المصنف رحمه الله المشترك لم يرد به الاشتراك المقابل للتشكيك والتواطىء بل معنا. اللغوقي وهو صدقه عليها منفردة وغير منفردة فاعبدوا يدل على طلب في الحال لعبادة مستقبلة، وتلك العبادة من الكفار ابتداء عبادة ومن بعض المؤمنين زيادة ومن آخرين موا! لبة وليس الابتداء والزيادة والمواظبة داخلاً في مفهومه وضعا فلا محذور فيه، وهالى هذا أشار المصنف رحمه ألله فالأمر بالعبادة أمر بقدر مشترك بين ما ذكر ولذا قال الفقهاء أنّ الشيء الممتد يعطي لبقائه حكم ابتدائه حتى لو حلف لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه، ثم استمر حنث وترك المصنف قوله في الكشاف على أنّ مشركي مكة كانوا يعرفون الله ويعترفون به: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [سورة الزمر، الآية: 38]

الصفحة 6