كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

الفسام الآحاد على الآحاد كركب القوم خيولهم فإنه يطلق أيضاً على مف بلة أشياء بأشياء أخذ كل منها ما يخصه سواء الواحد الواحد كما في المثال المذكور أو الجمع الواحد كدخل الرجال مساجد محلاتهم أو العكس كلبس القوم ثيابهم، ومنه قوله تعالى: {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [سورة المائدة، الآية: 6] وسماه قدّس سرّه شائبة التوزيع فمن اعترض على صوله إن فصد التوزيع عاد المحذور بأنه توزيع بالمعنى الثاني بغير محذور فقد غفل عن مراده أو تغافل
فإذا عرنت هذا فما في الكشاف هنا مخالف لما تقرّر في الأصول وما بني عليه من الفروع من أنّ أل الجنسية إذا دخلت على الجمع تسلبه معنى الجمعية بدليل مسألة لا أتزوّج النساء ولا أشتري العبيد لاستلزامها عدم الفرق بين المفرد والجمع المحلى باللام وقد فرق بينهما، فإن قيل لهم لا فائدة حينئذ في الجمعية التزموه أو قالوا جمع أوّلاً ثم أدخل عليه أل مع أنها تسلب المفرد الإفراد أيضا فالظاهر أنّ المصنف رحمه ألله إنما ترك ما في الكشاف لمخالفته بحسب الظاهر لما تقرّر في الأصول والاستعمال.
قوله: (وعطف العمل على الإيمان مرقباً) بصيغة اسم الفاعل، والحكم هو البشارة على
ظاهر كلام المصنف وهي وإن تقدمت لكن تعليق الحكم على المشتق وما في معنا. يشعر بأن مبدأه علة وسبب له فهي متقدّمة بالذت كما مرّ مرارا، أو كون الجنة المبشر بها لهم، وقوله: إشعار بالنصب على أنه علة للعطف أي عطفه للإعلام بما ذكر وفي تفسير السمرقنديّ هذه الآية حجة على من جعل جميع الطاعات إيمانا حيث أثبت الإيمان بدون الأعمال الصالحة لعطفها عليه. فإن قيل: إنكم تقولون إن المؤمنين يجوز دخولهم الجنة بدون الأعمال الصالحة والله تعالى جعل الجنة معدة بشرط الإيمان والأعمال الصالحة فيكون ما قلتم خلاف النص وهو سؤال المعتزلة، قيل البشارة المطلقة بالجنة شرطها اقتران الأعمال الصالحة بالإيمان ونحن لا نجعل لأصحاب الكبائر البشارة المطلقة بل نثبت بشارتهم مقيدة بمشيئة الله تعالى وجاز أن يكون العمل ائصالح عمل القلب الإخلاص في الإيمان فلا تبقى حجة على خروج الأعمال وهذا معنى قول المصنف السبب في استحقاق هذه البشارة الخ ولم يرد أنّ الإيمان المجرّد لا ينجي ولا أنّ الأعمال توجب الثواب بل إنّ الجمع بينهما مقتض لتفضل الله بمقتضى كرمه وتركه لخلافه كما عليه أهل السنة، وقوله عبارة عن التحقيق هو مصدر حققه إذا صدّقه كما في القاموس فعطف التصديق عليه تفسيري، وأقرار المتمكن شرط كما مرّ فلا مناناة بينه وبين ما مرّ في تفسير قوله يؤمنون بالغيب كما توهم. قوله: (ولذلك قلما ذكرا منقردين الخ (أي لكونهما كالأسق والبناء لا لكونه لا غناء الخ لأنّ الظاهر حينئذ أن يقول ذكر بالإفرإد وهو ظاهر لأنّ العمل لا يعتد به بلا إيمان والأس لا يناسب انفراده والغناء بفتح الغين المعجمة والمد النفع والفائدة وهذا مصراع وقع موزونا اتفاقا، وقد قيل: على هذا أنّ الإيمان موجب للنجاة من العذاب المخلد البتة فإن أراد أنه لا ينجي مطلقا فممنوع مع أنّ جنس العمل الصالح كذلك وإن أراد مقيداً بقيد فكذلك وجوابه ظاهر لمن تدبر. قوله: (وفيه دليل على أنه خارجة الخ) قيل: إن أراد خروجه عن مسمى الإيمان المنجي في الشرع فممنوع وان أراد خروجه عن الإيمان اللغويّ فقليل الجدوى وليس النزاع فيه مع أنّ الظاهر حمله على المعنى الشرقي ما لم يصرف
عسه صارف، وهذا ذهول عما مرّ، ثم إنه أفي صارف أقوى من العطف المقتضي للمغايرة إذ لا، جه لعطف الشيء على نفسه ولا الجزء على كله ومثله- كاف فلا يرد عليه شيء مما في بعض الحواشي، وفي قوله الأصل إشارة إلى أنه قد يقع العطف على خلاف الأصل لنكتة كما في عطف جبريل على الملائكة وهو أشهر من أن يذكر، وأصل أنّ لهم بأن لهم لتعدي البشارة لاً لباء فحذفت لاطراد حذف الجارّ مع أنّ وأن بغير عوض! لطولهما بالصلة ومع غيرهما فيه اختلاف بين البصريين والكوفيين مشهور، وفي محله بعد الحذف قولان فقيل: نصب بنزع الخافض كما هو المعروف بأمثاله وقيل: جرّ لأنّ الجار بعد الحذف قد يبقى أثره نحو الله لأفعلن بالجرّ مع مدّ الهمزة وقصرها كما بينه النحاة لكته هنا مقصور. قوله: (وهو مصدر جنه إذا ستره الخ) الجن بفتح الجيم وتشديد النون، ومداره بمعنى لا ينفك عنه، وتوصيف الشجر بأنه مظل لإظهاره معنى الستر فيه

الصفحة 62