كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

في الإيمان سنة فمن قال أنا مؤمن فليقل إن شاء الله وهو ليس استثناء شك ولكن عواقب المؤمنين مغيبة عنهم ثم أورد حديث جابر رضي ألله عنه وهو أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قوله: " يا مقلب القلوب ثبت قلوينا على دينك " مع أحاديث أخر استدلّ بها على سنية الاستثناء وبطلان ما يخالفه وللعلامة ابن عقيل رحمه الله تأليف مستقل فيه ليس هذا محلاً لاستيفاء ما فيه. قوله: ( {فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} الخ (هذه الآية تدلّ على أنّ الموت على الكفر محبط للعمل ولا خلاف فيه لأحد كما اتفق عليه شرّاح الكشاف هنا، وإنما الخلاف في إحباط الكبائر بدون التوبة وفي شرح الكشاف للتفتازاني قال الإمام القول بالإحباط باطل لأنّ من أتى بالإيمان والعمل الصالح استحق الثواب الدائم فإذا كفر بعده استحق العقاب الدائم ولا يجوز وجودهما جميعا ولا اندفاع
أحدهما بالآخر إذ ليس زوال الباقي بطريان الطارىء أولى من اندفاع الطارىء بقيام الباقي والمخلص أن لا يجب عقلا ثواب المطيع ولا عقاب العاصي وأجيب بمنع عدم الأولوية فإنّ الطارئ إذا وجد امتنع عدمه مع الوجود ضرورة امتناع الوجود والعدم ووجوده يستلزم عدم الباقي أعني العدم بعد الوجود وهو ليس بمحال وبأنه منقوض بانتفاء الشيء يطريان ضده كالحركة بالسكون والبياض بالسواد، وأيضاً الإحباط مما نطق به الكتاب فكيف يكوني باطلاً واعترض عليه بأنّ مراد الإمام أنّ إبطال حكم أحدهما بحكم الآخر ليس أولى من الاخر لا ابطال الذات بالذات إلا إنه إذا بطل الأصل بطل الحكم المترتب عليه ثم إن مراده أن القول بالإحباط مطلقا كما في الكشاف باطل فلا ينافي في نطق الكتاب به فيما هو مخصوص أو مؤوّل وليس هذا كله كلاما محررا فمن أراد تهذيبه وتحريره فلينظر رسالة الإحباط التي حرّرناها ثم إنّ إحباط الأعمال بالكفر مطلقا مذهب أبي حنيفة استدلالاً بقوله تعالى {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} أسورة المائدة، الآية: 5] ومذهب الشافعي أنه لا يكون محبطا إلا بالموت على الكفر لقوله تعالى {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} فيحمل المطلق على المقيد على أصله وفوله ولعله لم يقيد الخ أي استغنى بتلك الآيات الدالة على الإ. حباط بالشرك المقتضي لعدم استحقاق الجنة. قوله: (أي من تحت أشجارها الخ) العادة الإلهية جارية بانخفاض! مكان المياه الجارية كما قيل:
فالسيل حرب للمكان العالي
فإن أريد بالجنة الأشجار فذاك مع ما فيه قريب فبالجملة وإن أريد بها الأرض فلا بد من التأويل بتقدير مضاف أي من تحت أشجارها أو يعود الضمير إليها باعتبار الأشجار استخداما ونحوه وقيل: إن تحت بمعنى جانب صرّح به ابن عطية. وقال: هو كقولهم داري تحت دار فلان وضعفه بعضهم وقال ابن الصائغ رحمه الله: لما كانت تجري من تحت الأشجار المظللة نيل من تحتها أو أنها لما سقتها صدق أنها جرت من تحتها وقال صاحب التقريب: معنا. من تحت أشجارها أو منازلها ويحتمل أنّ منابعها من تحت الجنات وقد قال أبو البقاء: من تحت ارضها فلا وجه لمنع ابن الجوزي له، وقال أبو علي: من تحت ثمارها وهو بعيد وقال الغزنويّ من تحت أوامر أهلها كقوله وهذه الأنهار تجري من تحتي. قوله: (كما تراها جارية تحت الأشجار الخ) عدل عن قوله في الكشاف كما ترى الأشجار النابتة على شواطئ الأنهار إلى ما هو أظهر وإن وجه بأنه قصد تشبيه الهيئة بالهيئة فلا يضرّه تقديم بعض المفردات على بعض أو تأخيره والثاطئ مهموز الآخر كالساحل وزنا ومعنى وجمعه شواطئ ومسروق بزنة
المفعول علم لمسروق بن الأجدع التابعيّ ولمسروق بن المرزبان المحدّث وما روي أثر صحيح أخرجه ابن المبارك وهناد في الزهد وابن جرير والبيهقي في البعث والأخدو كما في الصحاح شق مستطيل في الأوض. والأثر مؤيد لكون المعنى تجري من تحت أشجارها. قوله: (واللام في الآنهار للجنس الخ) اللام عبارة عن أل المعرّفة تعبيرا بالجرّ عن الكل لزيادة همزة الوصل عند الجمهور وسقوطها، وأراد بالجنس العهد الذهني المساوق للنكرة وفي الكشف أي غير منظور فيه إلى استغراق وعدمه كما هو مقتضاه مثل أهلك الناس الدينار والدرهم أي الحجران المعروفان من بين سائر الأحجار، وكما تستعمل للعموم في المقام الخطابي ولا قل مما هو مقتضاه في المقام الاستدلاليّ

الصفحة 65