كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
كلامه في مجراه. قوله: (صفة ثانية لجنات الخ) ذكر فيها ثلاثة أوجه وترك رابعا سيأتي ولذا لم يذكر الحصر الذي في الكشاف وإذا كانت صفة فهي في محل نصب وحينئذ لم يعطف للإشارة إلى استفلال كل من الجملتين في الوصفية لا أنهما صفة واحدة وإذا كانت خبر مبتدأ مقدر فتقديره هما أي الذين آمنوا الخ أو هي أي الجنات وفي شرح الفاضل التفتازانيّ ولا يقدر شأنها أي هذا اللفظ بل هي أو هو بمعنى القصة أو الشأن (وههنا بحث) وهو أنّ الجملة المحذوفة امبتدأ إمّا أن تجعل صفة أو استئنافا فاعتبار الضمير لغو فليكن
بدون اعتبار الحذف كذلك وردّ بأنّ الربط المعنويّ حاصل إذ الجملة عبارة عن الشأن الذي هو مبتدأ فلا فرق بين الشان وبين هي ومثله في عدم الاحتياج إلى العائد ما ذكره النحاة في قولهم مقولي زيد منطلق وفيه نظر، وسياتي ما فيه في سورة يس، وما ورد من التقدير نقله في الكشف عن بعض الشرّاح ومرضه لأنه خلاف الظاهر*، وما قيل: من أنه على الخبرية إمّا أن يقال إنه لا يجب كون الخبر محمولاً على المبتدأ أو يجب لكن يكون ذلك تحقيقاً أو تاويلا من تسويد وجه القراطيس بما لا حاجة إليه، وقيل: إنه على هذا التقدير صفة مقطوعة ولم يتنبه له شرّاح الكشاف مع جلالة قدرهم فاعترضوا عليه بأنا نعود إلى الجملة المحذوفة المبتدأ فإن جعلت صفة أو استئنافا كان تقدير الضمير مستدركا وأن جعلت ابتداء كلام كاف فليكن كذلك بلا حذف، ومنهم من تمسك في دفعه بأن تقديرهم يقوي الاستئناف وتقدير هي يقوّي الوصفية ومما يتعجب منه ما في شرح التفتازانيّ فإنه قال لا تحتاج الجملة التي هي خبر عن لفظ الشأن إلى عائد كضمير الشأن وتقديره بهي على أنه ضمير القصة لا يصح لأنه يخص بجملة العمدة فيها مؤنث فالواجب تقدير ضمير الشأن بهو انتهى ولا يخفى ما فيه لأنّ قطع النعت الذي منعوته نكرة وهو جملة خلاف الظاهر حتى منعه بعض النحاة وإن كان الأصح خلافه وكون تقدير هي مشروطاً بما ذكره مما ذكره أهل المعاني إلا أنّ الأصح خلافه كما في شرح التسهيل وسيأتي تفصيله في محله وأمّا ما قيل من أنّ المقدر ضمير الشأن لا ضمير الذين آمنوا ولا الجنات لأنّ كلما ظرف زمان لنصبه على الظرفية فلا يصح أن يكون خبراً عن جثة وتقدير المبتدأ على تقدير كونه كلاما ابتدائيا غير وصف ولا استثناف استحسانيّ مراع لجزالة المعنى وليس بلازم فوهم لأن كلما وحده ليس خبرا بل متعلق بقالوا كما سيأتي والجملة خبر. وما ذكره لا يغني شيئاً وأجاز أبو ابقاء كون هذه الجملة حالاً من الذين أو من جنات لوصفها المقرّب لها من المعرفة وهي كما قال أبو حيان حال مقدّرة لأنهم وقت التبشير لم يكونوا مرزوقين على الدوام والاً صل في الحال المصاحبة. قوله: (أو جملة مستأنفة كأنه الخ) قدره تبعاً للزمخشريّ سؤالاً عن فواكه الجنة فقوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ} [سورة البقرة، الآية: 25] الخ زيادة في الجواب ولو قدّر ألهم في الجنات لذات كما في هذه الدار أم أتمّ وأزيد كان أصح وأوضح والاستئناف أرجح الوجوه عندهم كما ذكره صاحب الكشف وغيره وهذا مبنيّ على أنّ معنى من قبل من قبل في الدنيا وهو قول مجاهد وعن ابن عباس رضي الله عنهما والضحاك ومقاتل أنه في الآخرة على معنى رزق الغداة كرزق العشيّ وذهب أبو عبيدة إلى أنّ معناه يخلف الثمرة المجنية مثلها والخلد بفتحتين البال والقلب والنفس وكل منها صحيح هنا، وأزيح بزاي معجمة وحاء مهملة مجهول أزاحه إذا أزاله وفي قوله وقع الخ استعارة تبعية أو مكنية كأنه جعل ما خطر للسامع من التردّد مما يقع في الدار الدنيا من الغبار ونحوه كما يقال لما لا شبهة فيه لا غبار عليه فقوله أزيح ترشيح ومثله في اللطف قول ابن سنا الملك:
كنست فؤادي من حبه ولحيته كانت المكنسة
قوله: (وكلما نصب على الظرف الخ) قال النحاة إنها منصوبة على الظرفية بالاتفاق وناصبها قالوا الذي هو جواب معنى وجاءتها الظرفية من جهة ما فإنها إما مصدرية أو اسم نكرة بمعنى وقت، وكونها شرطية ليس بالوضع وإنما طرأ عليها في الاستعمال لأنّ ما المصدرية التوقيتية شرط من حيث المعنى فلذا احتاجت لجملتين مرتبة إحداهما على الأخرى ولا يجوز أن تكون ما شرطية كما فصله في المغني وشروحه