كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
وأمّا إفادتها للتكرار فقد مرّ في قوله تعالى: {كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ} ولما كان معنى الشرطية طارئا عليها لم يختلفوا في عاملها كما اختلفوا في عامل الأسماء الشرطية هل هو الجزاء أو الشرط، ورجح الرضي أنه الشرط ولم يرجحه هنا كما توهمه بعضهم وقال: فإن قيل يجب الفرق بين كلما وكلمات الشرط في الحكم بأنّ العامل في كلما الجزاء والعامل في غيرها الشرط قلنا قد فرق الرضي بينهما بأن كلما مضافة للجملة التي تليها والمضاف إليه لا يعمل في المضاف بخلاف كلمات الثرط وفيه كلام ذكرناه في حواشي الرضي ليس هذا محله، ومما فصلناه لك عرفت أنّ ما قيل من أنّ كلما مركب من كل وما الشرطية فلذا صار أداة تكرار ليس بمرضيّ ورزقا مفعول ثاني لرزقوا لأنه يتعدّى لمفعولين فيقال رزقه الله مالاً بمعنى أعطاه وليس مفعولاً مطلقاً مؤكدا لعامله لأنه بمعنى المرزوق أعرف والتأسيس خير من التاكيد وتنكيره للتنويع أو للتعظيم أي نوعا لذيذاً غير ما تعرفونه، وقد جوّزوا فيه المصدرية وكونه مفعولاً مطلقاً والأوّل أرجح.
قوله: (ومن الأولى والثانية للابتداء الخ الما منعوا تعلق حرفي جرّ متحدي اللفظ والمعنى بعامل واحد حقيقة وجوّزوا غيره مما تعلقا به وقد اختلفا لفظا ومعنى كمررت بزيد على الطريق أو اختلفا معنى لا لفظاً نحو ضربته بالعصا بسبب عصيانه، أو عكسه نحو ضربته لتأديبه بسبب سوء أخلاقه، وما في الآية بحسب الظاهر يتراء! مخالفته لذلك أشاروا إلى دفعه بأنه غير مخالف لما ذكر لأنه لا يخالفه إلا إذا تعلقا به من جهة واحدة ابتداء من غير تبعية وما نحن فيه ليس كذلك. وفي الكشاف هو كقولك: كلما أكلت من بستانك من الرمّان شيئا حمدتك فموقع من ثمرة موقع قولك من الرمّان كأنه قيل: كلما رزقوا من الجنات من أيّ ثمرة كانت من تفاحها أو رمّانها أو عنبها أو غير ذلك رزقا قالوا ذلك فمن الأولى والثانية كلناهما لابتداء الغاية لأنّ الرزق قد ابتدئ من الجنات والرزق من الجنات قد ابتدى من ثمرة، وتنزيله منزلة أن تقول رزقني فلان فيقال لك من أين فتقول: من بستانه فيقال من أيّ ثمرة رزقك من بستانه فتقول من الرمّان، وتحريره أنّ رزقوا جعل مطلقاً مبتدأ من ضمير الجنات ثم جعل مقيداً بالابتداء من ضمير الجنات مبتدأ من ثمرة، وقرّره شرّاحه بأنه لما توهم أنّ حرفي الجر في منها ومن ثمرة متعلقان برزقوا وهما بمعنى ولفظ واحد، ومما تقرّر عندهم أنه لا يجوز مثله الأعلى الإبدال والتبعية ولا مجال له هنا فدفعه بوجهين وبالغ في تقرير الأوّل وصرّج بأنهما للابتداء إلا أن الأولى متعلقة بالرزق المفهوم من رزقوا مطلقا، والثانية به مقيداً بكونه من الجنات فليس مما
منع في شيء لأنه اعتبر فيه الفعل أوّلاً مطلقاً ثم قيد بقيد يقتضيه سؤال ثم قيد ذلك الفعل المقيد بقيد آخر يقتضيه سؤال آخر فاتضح اتضاحا تامّاً أنّ كل واحد من الفعل المطلق والمقيد بالقيد الأوّل يصح ابتداؤه من المقيد بالقيد الذي تعلق به والثمرة على هذا للنوع فإنه لا يصح الابتداء من فرد إلا بكون بعضه مرزوقا وهو ركيك جدا، وكلا الظرفين على هذا الوجه لغو بلا اشتباه والمصنف رحمه الله ذهب إلى الإطلاق والتقييد مع جعلهما حالين متداخلتين وحينئذ فمتعلقهما متعدد فلا يلزمه المحذور المذكور لما قالوه بل لشيء آخر وهو أن الشيء الواحد لا يكون له مبدآن، ولذا قال: وأصل الكلام ومعناه الخ. ولا يخفى أنه لا وجه له لأنّ المبدأ كما مرّ معناه ما يتصل به الأمر الذي اعتبر له امتداد محقق أو متوهم وللشيء اتصالات شتى كاتصاله بالمكان في نحو سرت من البصرة، والزمان في من أوّل يوم، وبالفاعل وبالكل المأخوذ منه بل للمكان المحدود المربع مثلاً ابتداء من كل حدّ من حدوده الأربعة فالابتداء في منها مكانيّ وفي من ثمرة كليّ كما في أعطني من المال وكل لي من الصبرة إذا لم ترد التبعيض ألا تراك لو قلت ما قرأت النحو من كتاب سيبوبه من المبرّد من أوّل سنة كذا صح بلا مرية فإذا لم بتحد المتعلق لا لمانع صناعيّ ولا معنويّ فارتكاب المصنف للتأويل من غير داع لا! خلو من الخلل ولذا قيل: إنه لم يقف على مراد الزمخشريّ وتوهم من تقديره السؤال أنه ظرف مستقرّ عنده، وسيأتي لنا كلام فيه وقد قيل: عليه أيضاً أن المشهور أن من الابتدائية والتبعيضية لغوان والتبيينية مستقرّة وهذا مخالف له، وفيه بحث لأن