كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
ما اذعاه وإن سبق إليه غير مسلم، والظاهر خلافه فيكفي لتصحيح الابتدائية فيهما اختلاف المبدأ ثم إن قول الشريف تبعا لغيره من الشرّاح أنه لا مجال للتبعية والإبدال في الآية الكريمة فيه أنّ المعرب جوّز فيه أن يكون بدل اشتمال، ولا حاجة إلى الضمير لظهور الارتباط مع أنه مخصوص بإبدال المفردات وقال في البحر من في قوله منها الابتداء ألغاية وفي من ثمرة كذلك لأنه بدل من قوله منها أعيد معه حرف الجرّ وكلتاهما متعلق برزقوا على جهة البدل وهذا البدل من بدل الاشتمال. قوله: (كل حين وزقوا مررّوقاً الخ) إشارة إلى أنّ ما مصدربة حينية ومرزوقا إشارة إلى أنّ الرزق بمعنى المرزوق مفعول به ومبتدئاً بكسر الدال على زنة اسم الفاعل ولو فتح صح فقيد الرزق بكونه مبتدئاً من الجنات وابتداءه منها بابتدائه من ثمراتها وهو ظاهر وقوله فصاحب الحال الخ إشارة إلى أنها حال متداخلة، وقد قيل عليه أنه لا وجه لجعل الثمرة مبدأ مبدئية الرزق لا مبدأ نفسه فالوجه أن تجعل الحال مترادفة وفائدتها أنّ كون الجنات مبدأ الرزق يحتمل أن يكون باعتبار غير الثمرة مما فيها فالثانية تعين المراد إلا أنه على ما ذكره يظهر كونه قيداً للمقيد بخلافه على الترادف وفي قوله واقعتان موقع الحال مسامحة ظاهرة لأنّ الحال متعلق الجارّ والمجرور أو هما لا الحرف، والمستكن بتشديد النون اسم فاعل يقال: اكتن واستكن إذا استتروا التخفيف من السكون بعيد واعلم أنّ الظاهر أنّ جعل المتعلق الواحد في حكم المتعدد لا يختص بصورة التقييد والإطلاق بل يجري في كل ما يشبهه بحسب التأويل كما في قولهم لم أر رجلاَ أحسن
في عينه الكحل منه في عين زيد فإن في تعلقت بأحسن فيهما لأنّ معناه زاد حسن الكحل في عين زيد على حسنه في عين غيره فهو بحسب التأويل متعدّد وله نظائر أخر ليس هذا محلها، وإنما المراد التنبيه على أنه ليس مخصوصاً بما ذكر كما يوهمه كلام الكشاف وشروحه فتدبر فإن قلت لم سأل عن قوله من ثمرة وبين في الجواب تعلق الظرفين وأيّ حاجة إلى ذكر متعلقين حتى يحتاج إلى التأويل ولو قيل: كلما رزقوا من ثمرها أفاد ما ذكر من غير ارتكاب لمشقة التأويل وتكرار من واعجاز التنزيل يأبى زيادة ما يحوج للتأويل قلت: الذي لاح لي بعد التأمّل الصادق أن تعليق الرزق بمحله وتعقيبه بثمرة منكرة يقتضي عمومه لكل ما فيها كما قال تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [سورة محمد، الآية: 115 {وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ} ولولا ذكرهما لم يفد هذا النظم مع ما فيه من الإيضاح بعد الإبهام والتفصيل بعد الإجمال الذي هو أوقع في القلوب واليه أشار العلامة بما ذكره من السؤال والحاصل أن تعلق منها يفيد أنّ سكانها لا تحتاج لغيرها لأنّ فيها كل ما تشتهي الأنفس وتعلق من ثمرة يفيد أنّ المراد بيان المأكول على وجه يشمل جميع الثمرات دون بقية اللذات المعلومة من السابق واللاحق وفيه إشارة أيضا إلى أنّ عامّة مأكولهم الثمار والفواكه لأنهم لا يمسهم فيها جوع ولا نصب يحوجهم إلى قوت به قوام البدن وبدل ما يتحلل ومن هنا خطر بالبال أنّ المصنف رحمه الله لم يعدل عما في الكشاف غفلة عن مراده بل إمّا لأنه فهم منه أنه أراد توضيح المعنى وتفسيره لا توجيه التعلق النحوي وتقريره أو بيان أنه لا حاجة داعية له إذا جعلت من فيهما ابتدائية لأنه يجوز تخريجه على وجه آخر أسهل منه وأمّا تخصيصه السؤال بقوله من ثمرة فلأنه سؤال نشأ من تكرّر من فيه. قوله: (ويحتمل أن يكون من ثمرة الخ) هذا هو الوجه الثاني في الكشاف وهو أن تكون من الأولى ابتدائية كما فهم من عدم تعرّض المصنف رحمه الله لها، والثانية في قوله من ثمرة مبينة للمرزوق الذي هو مفعول! ان والظرف الأوّل لغو والثاني مستقرّ وقع- ا / * ن النكرة لتقدمه عليها والثمرة يجوز حملها على النوع وعلى الجناة الواحدة، ولم يلتفتو! إلى جعل من الثانية تبعيضية في موقع المفعول ورزقا مصدر مؤكد لبص هـ مع أنّ الأصل في من الابتداء والتبعيض ولا يعدل عهما إلا لداع قويّ كما مرّ في قوله تعالى: {أَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 22] وقوله كما في رأيت منك أسدا صريح في أنّ من التجريدية بيانية، وقد قيل عليه أنه حينئذ تفوت المبالغة المقصودة في التجريد لأنّ الإجمال والتفصيل يفيد أن المبالغة في التفسير لا الصفة التي قصد بالتجريد بلوغها الغاية في الكمائا، والصحيح أنها ابتدائية أي رأيت أسدا كائناً منتزعا منك