كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
الموجودة في الدنيا والأليق أن يوجد فيها ذلك مع غيره من الأنواع التي لا عين رأت ولا أذن سمعت كما ورد في الحديث. وقال السيوطي: أيضاً عندي أنّ الثاني
أرجح لأنّ فيه توفية بمعنى حديث تشابه ثمار الجنة وموافقة لقوله بعده متشابها فإنه في رزق الجنة أظهر وإعادته إلى المرزوق في الدارين لا يخفى ما فيه من التكلف كما سيأتي. وقوله كل مرة رزقوا منصوب على الظرفية فإنّ مرّة معناه فعلة واحدة وليس باسم زمان لكنه شاع بمعنى وقت واحد فاعطي له ولما يضاف إليه حكم الظرفية كما قاله المرزوقيّ. قوله: (والداعي إلى ذلك الخ) الداعي هو المقتضي لخطور ما ذكر في الذهن من قولهم هذا الذي الخ كأنه دعاه للحضور فحضر في كل مرّة من مرّات تناولهم، وفرط استغرإبهم أي كدّة غريباً عجئباً عدا مفرطا وتبجحهم بجيم وحاء مهملة افتخارهم وابتهاجهم بإظهار المسرّة بما وجدو. بين الرزقين، والتشابه البليغ في الصورة إمّا لتشابه النوعين المستلزم لتشابه ما صدق عليه أو لتشابه الفردين على ما مرّ من تفسيري هذا فسقط ما قيل من أنه يقتضي أن يكون قولهم هذا الذي رزقنا من قبل من التشبيه البليغ وأصل معناه هذا مثل الذي رزقنا من قبل كما في الكشاف وهو مخالف لقوله وهذا إشارة لنوع ما رزقوا لأنه ليس مبنياً على المبالغة في التشبيه إذ معناه هذا نوع ما في الدنيا والتفاوت مع التشابه منشأ للاستغراب والتعجب كما لا يخفى فلا وجه لما قيل من أن جعل التشابه البليغ داعياً لما ذكر ظاهر وأمّا التفاوت العظيم ففي مدخليته في ذلك خفاء وإن وضحه بما يؤول إلى ما ذكرناه، وهذا إشارة إلى سبب قولهم هذا لتتمّ الفائدة فمن قال إنه لا حاجة إليه لم يصب، وقد نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم يقولونه على سبيل التعجب وفي الاستغراب إيماء له ومن الغريب ما قيل من أنّ هذا إشارة إلى اعترافهم بإعادة أشجار الدنيا وثمارها كإعادة أنفسهم فيكون تعجباً من قدرته تعالى أو إلى أنّ أرض الجنة قيعان تنبت فيها أعمال الدنيا كما ورد في الأثر فثمرة النعيم مما غرسوه في الدنيا ولا يخفى بعده. توله: (اعتراض يقرّر ذلك الخ) كذا في الكشاف وفي شرح الفاضل له هذا على تجويز الاعتراض في آخر الكلام وأكثرون يسمونه تذييلاً والعلامة يجعل الاعتراض شاملاً للتذييل كما يعرفه من تتبع كلامه، فلا يرد الاعتراض! عليه بأنّ الأشبه أنه تذييل وهو أن يعقب الكلام بما يشمل معت اه توكيداً ولا محل له من الإعراب ولا مشاحة في الاصطلاح وايهام أنه اصطلاح القوم كما قاله ابن الصائغ غير مسلم وهذا إذا كان ما بعده جملة مستأنفة بناء على جواز اقترانه بواو يسمونها الواو الاستئنافية وقد جوّز في هذه الجملة أيضا الاستئناف والحالية بتقدير قد وكلام النحاة لا يأباه لأنّ تقدير قد مع واو حالية في الماضيي كثير، وإنما كان هذا مقرّراً ومؤكداً لما قبله لما صرّح به المصنف رحمه الله آنفا من أنه يدل على التشابه البليغ صورة ويلزم من
تقريره تقريره فتذكر. قوله: (والضمير على الآول الخ) أي الضمير المفرد المجرور في قوله به على أوّل التفسيرين المذكورين آنفاً وهو أن يراد بقوله من قبل في الدنيا لما رزقوا في الدارين ولا إضمار فيه قبل الذكر لدلالة مجموع قوله: {هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ} على ما رزقوا في الدارين على هذا الوجه كما مرّ تقريره وهذا معنى قوله في الكشاف فإن قلت إلام يرجع الضمير في قوله وأتوا به. قلت إلى المرزوق في الدنيا والآخرة جميعاً لأن قوله هذا الذي رزقنا من قبل انطوى تحته ذكر ما رزقوه في الدارين، والحاصل أنه جواب عن سؤال هو أنّ التشابه يقتضي التعدّد وتوحيد ضمير به ينافيه بأنه راجع إلى موحد اللفظ متعدد المعنى وهو الجنس المرزوق في الدنيا والآخرة جميعاً كأنه قيل أتوا بذلك الجنس متشابه الأفراد وأوردوا عليه أنّ المرزوق فيهما جميعاً غير مأتي به في الآخرة وأجيب بأنّ المعنى أتوا به في الدارين لا في الجنة وجمعا في سلك تغليباً أو أنّ المراد من الإفإن إتمامه ولا يخفى أنه تعسف والذي ارتضاه في الكشف أنّ المراد من المرزوق في الدنيا والآخرة الجنس الصالح التناول لكل منهما لا المقيد بهما، وقال أبو حيان ما ذكره الزمخشريّ غير ظاهر الآية لأنّ ظاهر الكلام يقتضي أن يكون الضمير عائداً على مرزوقهم في الآخرة فقط لأنه هو المحدّث والمشبه بالذي رزقوه من قبل ولأنّ هذه الجملة إنما جاءت محدثا بها عن الجنة