كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

وأحوالها وكونه مخبرا عن المرزوق في الدنيا والآخرة أنه متشابه ليس من حديث الجنة إلا بتكلف اص. قوله: (ونظيره قوله تعالى {إِن يَكُنْ غَنِيًّا} الخ) الذي تقرّر في كتب العربية أنّ الضمير الذي مع أو يفرد لأنها لأحد الشيئين إلا أنها إذا كانت للإباحة يجوز في الضمير بعدها الإفراد والتثنية لأنّ الإباحة لما جاز فيها الجمع بين الأمرين صارت أو فيها كالواو فتقول جالس الجسن أو ابن سيرين وباحثه ويجوز باحثها وعلى هذا قوله في سورة النساء: {كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ} [سورة النساء، الآية: 135] الخ وقد قال أرباب الحواشي تبعا لشرّاح الكشاف أنّ التنظير بهذه الآية لما نحن فيه باعتبار إرجاع الضمير باعتبار المعنى دون اللفظ فإنه عكس ما نحن فيه إذ ثني الضمير في بهما نظرا لما دل عليه الكلام من تعدد الجنسين مع أن مرجعه أحد الأمرين غنياً أو فقيرا وضمير يكن مفرد والمعنى يكن المشهود عليه غنياً أو فقيراً فترك إفراد الضمير لئلا يتوهم أنّ أولويته بالنسبة إلى ذات المشهور عليه فنبه غلى أنه باعتبار الوصفين ليعمّ المشهود عليه وغيره وفيما نحن فيه أفرد الضمير مع أنّ ظاهر المرجع اثنان وفي النطير ثني مع أنّ ظاهر المرجع واحد، ولك أن تقول إنه لا حاجة لما ذكر وأنه نظير له من غير ارتكاب لما ذكر فإنه كما أفرد ضميربه ثم عقب بما يدل على التعدد من قوله متشابهاً أفرد أيضا في النظير ضمير يكن باعتبار المشهود عليه وعدد ما بعده في المعطوف وضميره من غير حاجة للعدول عن الظاهر إلا أن يقال إنه من تلقى الركبان فإنه إنما يحتاج للتأويل بعد مجيء أو فتدبر. قوله: (أي بجنسي الننئ والفقير) فالضمير راجع لما دلّ عليه المذكور وهو جنسا الغنيّ والفقير لا إليه
وإلا لواحد ويشهد له أنه قرئ {فَاللهُ أَوْلَى بِهِمْ} كذا قاله المصنف رحمه الله في سورة النساء وفيه كلام سيأتي فإن أردته فارجع إليه. قوله: (وعلى الثاني على الرزق الخ) أي ضمير به على نقدير كون معنى من قبل هذا في الجنة راجع إلى الرزق والمعنى أتوا بالمرزوق في الجنة متشابه الأفراد، ولما كان التشابه في الصفة وصفات ما في الجنة مغايرة لما في الدنيا كما قال ابن عباس رضي الله عنهما أنها لا تشبهها وإنما يطلق عايها أسماؤها، أجاب بأنّ الصورة من جملة الصفات فكما يصح إطلاق ألاسم يصح إطلاق التشابه لأنه لا يشترط فيه أن يكون من جميع الوجوه وحينئذ يحتمل هذا أن يكون على الحقيقة والمجاز كما يطلق على صورة الفرس أنها فرس والسؤال وارد على الاحتمالين كما يشهد له قوله بين ثمرات الدنيا والآخرة، وقيل: إنه طاهر على الاحتمال الأوّل ولا وجه له غير النظر لظاهر ما ذكر وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه البيهقي وغيره. قوله: (هذا وإن للآية محملاَ آخر الخ) أي الأمر هذا أو هذا طاهر أو خذ هذا فاسم الإشارة في محل رفع أو نصب ويحتمل أن يكون ها اسم فعل بمعنى خذ وذا مفعوله من غير تقدير لكنه مخالف للرسم أي أنّ الآية تحتمل تفسيراً آخر بأن يكون ما رزقوه قبل هو الطاعات والمعارف التي يستلذها أصحاب الفطرة والعقول السليمة وهذا جزاء لها مشابه لها فيما ذكر من اللذة كالجزاء الذي في ضده في قوله ذوقوا ما كنتم تعملون أي جزاءه فالذي رزقنا مجاز مرسل عن جزائه وثوابه بإطلاق اسم السبب على المسبب أو هو استعارة بتشبيه الثمار والفواكه بالطاعات والمعارف فيما ذكر وهو الظاهر من كلام المصنف رحمه الله وتوله في ضده ذوقوا مؤيد له ولا يأباه كما قيل: قوله من قبل لأنه في الجنة لا في الدنيا حتى تثبت له القبلية لأن التجوّز في هذا الذي رزقنا وتعلق القبلية به شيء آخر مبالغة بجعل تقدّم سببه واستحقاقه بمنزلة تقدمه كما يقول الرجل لمن أحسن له إني استغنيت حين قصدتك وأمّا تقدير المضاف وان كان أظهر فلا يحمل عليه ما قاله المصنف إلا بتعسف فلا حاجة إلى ما تكلف من جعل الرزق مجاز عن الاستحقاق، أو يقال هو من تسمية موجب الشيء باسمه فإنه لا يسمن ولا يغني من جوع وإنما جعل المصنف رحمه الله الشبه معنويا في الشرف لا في الصورة لأنّ المعارف والأعمال أعراض! لا صورة لها وشرف أمور الجنة كلها مما لا شبهة فيه فمن قال لا نسلم تشابه مستلذات الجنة للأعمال في الشرف لم يصب، والمراد بالطبقة في قوله
علوّ الطبقة الرتبة والمنزلة مستعارة من طبقات البيت والقصر، وأصل الطبق الشيء على مقدار شيءآخر

الصفحة 73