كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

من لم يعرفه وعند من عرفه مجاز استعارة أو مشاكلة ألا ترى أنّ من رأ! بعض أنواع القم اصيا الرومية ممن لم يعرفها فسماها نبقا لأنها مثله صورة فتلك التسمية عنده وعند من سمعه من أهل جلدته حقيقة وعند غيره مجاز، ونظيره جبريل عليه السلام إذا أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم في صورة رجل فأطلق عليه الإنسان من رآه ولم يدر أنه ملك فهو حقيقة، وإذا قاله النبيّ صلى الله عليه وسلم فهو مجاز عند. والقول بأنة لا يعرفه أهل العربية لا وجه له وليس هذا ما قاله بعض المتصوّفة فإنه سمّ في دسم وبهذا عرفت كلام المصنف رحمه الله وأنّ أوّل كلامه لا يعارض آخره ومن لم يذق لم يعرف. قوله: (والخلد والخلود في الأصل الثبات الخ) في شرح الكشاف هذا مذهب أهل السنة وهو عند المعتزلة الدوام وهو أمر لغويّ لا دخل للمذهب فيه فمراده أنّ المعتزلة قالوا إنّ ذلك حقيقته التي لا يعدل عنها بغير داع ليبنوا عليه ما ورد في الآيات والأحاديث من خلود فسقة المؤمنين وغيرهم يقول حقيقته المكث الطويل دام أو لم يدم فتفسيره في كل مكان بما يليق به. فإن قلت قوله في الكشاف والخلد الثبات الدائم والبقاء اللازم الذي لا ينقطع قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [سورة الأنبياء، الآية: 34] الخ معارض لقوله في الأساس خلد بالمكان وأخلد أطال به الإقامة وما بالدار الأصمّ خوالد وهي الأثافي وخلد في السجن وخلد في النعيم بقي فيه أبدأ خلوداً وخلداً وخلده وأخلده ومن المجاز فلان مخلد للذي أبطأ عنه الشيب والذي لا يسقط له سن لإخلاده على حالته الأولى وثباته عليها، ولذا قيل: إنه مما يقضي منه العجب وفي بعض شروح الكشاف أنّ ما في الأساس دليل لأهل السنة قلت: لا خلاف في استعماله لمطلق الثبات دام أو لم يدم وللدوام وللبقاء الطويل المنقطع وإنما الخلاف في أيها الحقيقة الذي يحمل عليه عند الإطلاق ويفسر به لأنه الأصل الراجح الدّي العدول عنه بغير داع في قوّة الخطأ عند أهل اللسان فما كأ الكشاف يدلّ على أنه حقيقة في طول مدة الإقامة مطلقا وهو وإن صدق على الدوام وغيره المتبادر منه أكمل فرديه وهو الدوام، وقد نقل عنه أنه من الأسماء الغالبة فيه وهو معنى شرفي فيحمل عليه عند الإطلاق ولذا استدلّ بالآية فلا يعارضه ما في
الأساس كما لا يخفى وهو في غير الإقامة مجاز وإن كان فيه معنى الثبات وقوله الأثافي بتخفيف الياء وتشديدها الأحجار التي توضمع عليها القدر وسميت خوالد لأنها تبقى في الديار بعد ارتحال أهلها، وقوله وللجزء الخ معطوف على مقول القول وهو خبر مقذم وقوله خلد بفتحتين بزنة حسن مبتدأ مؤخر وهو القلب الذي يبقى الإنسان حيا ما دام لأنه أشرف الأعضاء الرئيسة وقوله الذي يبقى الخ وان صدق على غيره لا يلزم إطلاقه عايه لأنّ القياس لا يجري في اللغة. قوله: (لنوا) قيل عليه لما كان استعماله في غيره مجازاً مشهوراً يكون التأبيد لدفعه ومثله كثير في كلام البلغاء فكيف يكون لغواً، ويدفع بأنّ المراد أنه زائد على إلتأسيس القائل به من غير زيادة فتدبر. قوله: (والأصل بنفيهما الخ) أي القاعدة المقرّرة تدل على هذا النفي لأن المجاز والاشتراك لا يرتكب إلا بدليل لاحتياجهما للقرينة فإذا وضعه لهما على العموم يحمل عليه واستعمال العامّ في بعض أفراده من حيث إنه فرد منه لم يقصد بخصوصه ليس بمجاز كما توهمه بعضهم ولا يختص أيضا بالمتواطئ فما قيل إنه من باب استعمال الكليّ المتواطئ في واحد من جزئياته كقولك لقيت اليوم إنسانا تريد به زيداً غير صحيح وقوله كإطلاق الجسم للإنسان وفي نسخة على الإنسان فإنه باعتبار أنه جسم حقيقة وباعتبار أنه إنسان مجاز محتاج للقرينة كما تقرّر في الأصول وقوله مثل قوله: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ} هو في أكثر النسخ وسقط من بعضها وهو مثال لما نحن فيه وردّ لما في الكشاف وغيره من الاستدلال به على إرادة الدوام لتعينه للنفي لأنه لم يرد على أنه بخصوصه معناه الحقيقيّ بل على أنه عامّ أريد به خاص بقرينة كما أشار إليه بقوله لكن المراد الخ. قوله: (عند الجمهور لما يشهد له من الآيات والسنن) الدالة على أبدية أهك الجنة فيها وهو ردّ على الجهمية الذاهبين إلى أنّ الجنة والنار يفنيان وأهلهما بعد تمتع أهل الجنة بقدر أعمالهم وعذاب أهل النار بقدر سيئاتهم وفي تفسير

الصفحة 76