كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)
السمرقنديّ الذي دعاهـ م إلى هذا أنه تعالى وصف نفسه بأنه الأوّل والآخر والأوّلية تقدّمه على جميع المخلوقات والآخرية تأخره ولا يكون إلا بفناء ما سواه ولو بقيت الجنة وأهلها كان فيه تشبيه بين الخالق والخلق وهو محال، ولأنه تعالى لا يخلو من أن يعلم عدد أنفاس أهل الجنة أم لا، والثاني تجهل والأوّل لا يتحقق إلا بانتهائها وهو بعد فنائهم ولنا أنّ هذا النص وغير. دال على الخلود والتأبيد وعضده العقل لأنها دار سلام وقدس لا خوف ولا حزن لأهلها والمرء لا يهنأ بعيش يخاف زواله كما قيل:
والبؤس خير من نعيم زائل
والكفر جريمة خالصة فجزاؤه عقوبة خالصة لا يشوبها نقص، ومعنى الأوّل والآخر ليس
كما في الشاهد لأنه صفة كمال ومعناه لا ابتداء لوجوده ولا انتهاء له في ذاته من غير اسنناد لغير. فهو واجب الوجود مستحيل العدم وبقاء الخلق ليس كذلك فلا يشبهه شيء من خلقه وعلمه تعالى لا يتناهى فيتعلق بما لا يتناهى إلى آخر ما فصله. قوله: (فإن قيل الأبدان مركبة الخ الما! قرّر أن الخلود بمعنى الدوأم هنا كما قرّرناه لك أو رد شبهة ترد عليه ودفعها ونبه على أنها ساقطة لأنها في غاية الضعف في آخر كلامه فلا يرد عليه ما قيل: من أنه لا حاجة هنا للسؤال والجواب لابتنائه على أصل فلسفيّ غير مناسب للمقام وما ذكره إشارة إلى ما قرّره الأطباء من أن تكون البدن من رطوبة معها حرارة تؤثر فيها بالتنضيج والتغذية ودفع الفضلات فإذا دام التأثير كثر التحلل فتضعف الحرارة بنقصان مادّتها كضعف نور السراح بقلة الدهن ولا تزال كذلك حتى تفنى الرطوبة الغريزية فتنقطع الحرارة أيضاً، والمراد بالكيفيات المتضادّة الأمزجة والكيفية معروفة والضدان أمران وجوديان متعاقبان على موضوع واحد بينهما خلاف أو غاية الخلاف والاستحالة التغير وألانقلاب من شيء إلى آخر بتبدّل صورته كاستحالة الخمر خلاَ، والتضادّ مؤدّ للانفكاك وهو تفرّف الأجزاء وانفكاك بعضها من بعض بانحلال ما يربطها ويكون سبباً لبقائها فاذا لزم هذا كل بدن لزم عدم وجوده واستحالة بقائه وخلوده كما هو مذهب الجهمية وقوله في الجواب بعيدها بناء على أنه تعالى إذا أحياها بعد الموت أعادها بعينها لا بامثالها على ما عرف في الكلام وقوله يعتورها أي يعرض لها ويتعاقب عليها بأن يعرض لها التغير وتبذل الأحوال. قوله: (بأن يجعل أجزاءها الخ) هذا هو اعتدال المزأح الذي ذكره الأطباء، وقالوا إنه ماخوذ من التعادل الذي هو التكافؤ لا من العدل في القسمة أي التساوي في القوى لا في المقدار قالوا لأنه قد يوجد الشيء مغلوباً في مقداره غالبا ني قوّته فيمكن وجود المزاج الحاصل من المتساوي المقدار المختلف الكيفية وقيل: الذي امتغ وجوده هو المتكافئ في المقدار والكيفية معاً لأنه لا يكون حينئذ غالبا قاسراً للمركب على التماسك والتقرّر فيستدعي كل التفرّق والتلاشي والميل إلى مركزه، وقوله: متقاومة بالقاف والميم مفاعلة من القيام، وفي المصباح يقاومه أي يقوم مقامه وفي نسخة بدله ستفاوتة بالفاء والتاء المثناة الفوقية من قولهم تفاوت الشيآن إذا اختلفا وتفاوتا في الفضل تباينا فيه نفاوتا بضم الواو كما في المصباح أيضا والنسختان متقاربتان معنى لأنّ المراد أنّ كيفيتها متباينة وقواها متساوية والقوّة كما مرّ مبدؤ التغير والتأثر من آخر في آخر.
فائدة: التفاوت تفاعل بضم العين وهي الواو مصدر بمعنى المفاعلة وفي أدب الكاتب أنه
يجوز فيه كسر الواو وفتحها على خلاف القياس ولا نظير له، وقوله متعانقة من العناق وقوله: متلازمة عطف تفسير له وكذا ما بعد. وقد قيل عليه إن محصل كلامه أنه يلتزم وجود مركب من العناصر على اعتدال حقيقي ولا يقنع بذلك بل يدعي كونه محسوساً مشاهداً وفيه أنه إذا أعاد تلك الأجزاء بحيث تكون المقادير الحاصلة من الكيفيات الأربع في تلك الأجزاء متساوية بحسب أحكام محالها ومتفاوتة في أنفسها بحسب الشدّة والضعف حتى يحصل منها كيفية عديمة الميل إلى الطرفين المتضاذين وتكون على حاق الوسط بينهما فلا محالة في صيرورة هذا المزاج الحاصل من تفاعل تلك الكيفيات المتكافئات في المقدار والكيفية معا مزاجاً معتدلاً حقيقياً، ومثل هذا المزاج وان وقع الاختلاف بين العقلاء في إمكان وجوده لا خلاف لأحد في امتناع وجوده في زمن يسير