كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

أنه في الأوّل لتقوية التمثيلات والاستعارات السابقة وبيانها والذلت عنها، وفي هذا
هو لتقوية المتحدّي به وتأييد ما يزيل الريب عن المنزل لأنه لما ذكر الذباب والعنكبوت ضحكت اليهود وقالوا هذا لا يشبه كلام الله، وعلى الأوّل هو مربوط بما ذكر من أوّل السورة الى هنا أو بقوله إن الذين كفروا الخ. وهو متعلق على هذا بقوله وان كنتم في ريب الخ كأنه لما نفى توهم الريب فيه عةجه بذكر بعض ما أوقعهم في غيهم وغيابة ريبهم وقيل: إنه ذكر وجهين الأوّل منهما مبني على أنها مربوطة بقصة المنافقين وتمثيلهم تارة بمستوقد نار وتارة بأصحاب صيب جيء به لبيان حسن مطلق التمثيل الداخل فيه تمثيل المنافقين بما ذكر دخولاً أوليا، والثاني على أنها مرتبطة بآية التحدي بالقرآن ذكرت لذيّ الطعن فيه بعد ثبوت إعجازه وتال الطيبيّ على هذا نظم الآية بما قبلها نظم قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ} [سورة البقرة، الآية: 6] الخ في كونها جملة مستطردة كما قاله الإمام. وقيل: إنه إشارة إلى مناسبة وضمع هذه الآية هنا ولم توضع في سورة العنكبوت أو الحج عقب المثلى المستنكر لأنه جواب عن شبهة أو ردت على إقامة الحجة على حقية القرآن بأنه معجز فكان ذكرها هنا أنسب، ووجهه أنه من الريب الذي هو في نهاية الاضمحلال وقد تقدمه ما هو من باب المثل، وفيه استطراد والاستطراد من أدق وجوه الارتباط وسيأتي بيانه (وههنا بحث مهم) وهو أنهم ذكروا أنّ المقصود من هذه الآية الرذ على من ارتاب بسبب ضرب الله العظيم الأمثال المحقرة بأنه لا ضير في ذلك فإنّ اللازم فيها إنما هو مناسبة الممثل به للممثل لا لمن أورده وحسنه ولطفه بكشف المعقولات وجلوتها على منصة المحسوسات مكسوّة بحلل للطائف ودقائق البلاغة حتى لاهدها الفطرة الوقادة والبصيرة النقادة، ولا غبار على هذا إنما الكلام في أنّ النظم كيف يدلّ على ما ذكره المصنف هنا فإنه مما خفي على كثير من الناس حتى أنكروه ولم نر فيه ما يشفي الغليل وتوضيحه أنهم لما قا اوا أما يستحي الرب الخ أجيبوا بنفي الاستحياء من ضرب كل مثل حقير وقليل ويفهم منه أنه لا قبح فيه، وأمّا حسنه وعلوّ مرتبته فيفهم من نفس المثل لأن كل أحد من أهل اللسان يعرف أنّ ما شبه مورده بمضر به سار في البلدان وسائر على كل لسان للطف لفظه ومعناه وهذا لشهرته غنيّ عن التصريح به ألا ترى إلى قوله في كثرة الاغتراب:
لا أستقرّبأرض قدمررت بها كأنني بكرمعنى سارفي مثل
قوله: (والحياء انقباض النفس الخ) إشارة إلى أنّ للنفس عوارض! نفسانية وهي كيفيات نعرض للنفس تبعاً لانفعالات تحدث لما يرتسم في بعض قواها من المنافع والمضارّ فيوجب لغيراً في البدن ويلزمها حركة الروج والدم الصافي النير إمّا إلى خارج دفعة كما في حال الغضب الشديد أو قليلا قليلا كما في حال الفرح واللذة المعتدلين أو إلى داخل دفعة كما في الفزع الشديد أو قليلاَ قليلاً كما في الغم الضعيف ولذا قال الحكماء: الغم جهاد فكري أو إلى داخل وخارج كما في الخجل فانقباض النفس انكفافها العارض من إدراك ما لا تريد وحينئذ
يعرض! للقلب ما يهيج حرارته الغريزية والنفس تكون بمعنى الروح الحيوايئ أو الدم الصافي في القلب وحركته لما مرّ، فلذا يحمرّ منه الوجه ويتجوّز فيه فيطلق على أثره الخجل حتى تظرّف القائل:
أبدى صنيعك تقصير الزمان ففي خد الربيع طلوع الورد من خجل
وفي الكشاف والحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من تخوّف ما يعاب به ويذم وتفصيل تحقيقه كما في ذريعة الشريعة للإمام الراغب أن الحياء انقباض النفس عن القبائح وهو من خصائص! الإنسان يرتاع به عما تنزع إليه الشهوة من القبائح وهو مركب من جبن وعفة ولذا لا يكون المستحيي فاسقاً ولا الفاسق مستحيياً والمستحيي شجاعا ولذا يجمع الشعراء في المدح بين الشجاعة والحياء كقوله:
يجري الحياء الغفق في قسماتهم في حين يجري من أكفهم الدم
ومتى قصد به الانقباض فهو مدح للصبيان دون المشايخ ومتى قصد به ترك القبيح فمدح
لكل أحد

الصفحة 81