كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

وبالاعتبار الأوّل قيل: الحياء بالأفاضل قبيح وبالاعتبار الثاني قيل: إنّ الله يستحيي من ذي الشيبة في الإسلام أن يعذبه، وأما الخجل فحيرة النفس لفرط الحياء ويحمد في النساء والصبيان ويذمّ باتفاق من الرجال والوقاحة مذمومة بكل لسان إذ هي انسلاخ من الإنسانية وحقيقتها لجاج النفس في تعاطي القبيج واشتقاقها من حافر وقاح أي عحلب ولذا قال الشاعر وأ جا د:
يا ليت لي من جلدوجهك رقعة فأقدمنها حافراللأشهب
انتهى والحاصل أنّ هنا أموراً ثلاثة حياء وخجلا ووقاحة، ومغايرة الوقاحة لهما ظاهرة
لأنها عدم الانتهاء وكف النفس عن القبائح وأما الوقاحة في قوله:
وطالما قالوا ولم يكذبوا سلاح ذي الحاجة وجه وقاج
فمجاز عن الإلحاح في تحصيل المراء وليس مذموم مطلقا وإنما الكلام في الفرق بين الحياء والخجل فعلى ما ذكر. الراغب رحمه الله هما متغايران وان تلازما لأنّ الخجل حيرة واقعة بعد الحياء وأيضا الحياء يذمّ ويحمد من الرجال بخلاف الخجل والثلاثة ملكات وكيفيات نفسانية وإنما كان الحياء بمعنى انقباض! النفس محموداً من الصبيان لأنه يدل على
العقل الغريزي وأمّا في الرجال فيذمّ لدلالته على قوّة الشهوة والهوى المنازع للعقل فتدبر. قوله: (والخجل الذي هو انحصار النفس عن الفعل مطلقاً) هذا مما زاده على الكشاف لأنّ الحياء لما كان وسطاً توقف معرفته على معرفة طرفيه فلذا ذكرهما والمراد بانحصارها نحيرها ودهشتها لفرط الحياء كما مرّ عن الراغب وقوله مطلقاً فسر في الحواشي بأنه سواء كان الفعل قبيحاً أولاً وسواء كان ذلك الانحصار لأجل مخافة الذم أولاً ومع ذلك جعل الحياء وسطاً ولا يخفى ما فيه فإنه حينئذ يكون أعتم من الحياء لأنه مقيد بما ذكر، ويخالف ما قاله الراغب: ولا يخفى أنه لا يكون إلا فيما يذمّ والمرأد ما يذمّ عادة سواء ذمّ شرمحا أم لا كانفلات الريح والظاهر أنّ الخجل أخص من الحياء فإنه لا يكون إلا بعد صدور أمرّ زائد لا يريده القائم به بخلاف الحياء فإنه قد يكون مما لم يقع فيترك لأجله وقوله في القاموس: وغيره من كتب اللغة خجل استحيا بناء على تسامحهم في أمثاله ثم إنه في الكشف قال إنه لم يرد بما ذكر تعريف الحياء فقد يكون لاحتشام من يستحيا منه بل هو الأكثر لكنه لما كان أمرا وجدانيا غنياً عن التعريف من حيث الماهية محتاجا إلى التبينة لدفع ما عسى يعرض! له من الالتباس نبه على أنه الأمر الذي يوجد في تلك الحالة، وهكذا الحكم في تعريف سائر الوجدانيات من العلم والإدراك وغيرهما فليحفظ هذأ الأصل فقد زل لإهماله كثير من حذاق العلماء، وتبعه الشارح المحقق وفيه أنّ قوله إنه وجدانيّ غنيّ عن التعريف لبداهته والتعريف يكون للنظريات مسلم في الأفراد الجزئية بالنسبة لمن قامت به، وأمّا الماهية الكلية فليست كذلك وهي المقصودة بالتعريف فما ادّعى من غفلة الحذاق عنه مما أصابته عين الكمال ولا حاجة إلى أن يقال إنه عرّف ليبني عليه كيفية جواز إطلاقه عليه تعالى وأمّا الاعتراض عليه بأنّ قوله قد يكون لاحتشام من يستحيا منه لا يعلم إلا بعد معرفة الحياء فهو دوريّ وأنّ ما ذكر خشية لإحياء لأنها خوف يشعر بتعظيم المخشي ومعرفته به فساقط لأنه بديهيّ عنده، ولأنّ الخشية لا تغاير الحياء من كل الوجوه كما يعلم من كلام الراغب. قوله: (واشتقاقه من الحيوة الخ (في الكشاف واشتقاقه من الحياة يقال حي الرجل كما يقال نسي وحشي وشظي الفرس إذا اعتلت هذه الأعضاء جعل الحيي لما يعتريه من الانكسار والتغير منتكس القوّة منتقص الحياة كما قالوا هلك فلان حياء من كذا ومات حياء، ورأيت الهلاك في وجهه من شدة الحياء وذاب حياء وجمد في مكانه خجلاَ وهذا ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى بعينه والنسا بفتح النون والقصر عرق يخرج من الورك وششبطن الفخذين ثم يمرّ بالعرقوب، ومنه المرضى المعروف بعرق النسا ومعنى حشي اعتل حشاه بأن أصابه الربو وهو مرض معروف يعلو منه النفس والحشا ما انضمت عليه الضلوع وهو قريب من الجوف معنى والأفعال الثلاثة من حشي ونسي وحيي بزنة علم والحيوة في

الصفحة 82