كتاب حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (اسم الجزء: 2)

يصفر كتعب إذا خلا فهو صفر وأصفر لالألف لغة فيه ولم يقل صفرين لأن اليدين كشيء واحد، ولأنه يستوي فيه الواحد المذكر وعيره لأنه مصدر في الأصل وفي الكشاف هو جار على سبيل التمثيل مثل تركه تخييب العبد، انه لا يرد يديه صفراً من عطائه لكرمه بترك من يترك رذ المحتاج إليه حياء منه وفي الانتصاف لمائل أن يقول ما الذي دعاه إلى تأويل الآية مع أنّ الحياء الذي يخشى نسبة ظاهره إليه تعالى مسلوب في الآية كقولنا الله تعالى ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض في معرض! التنزيه والتقديس وأمّا تأويل الحديث فمستقيم لأنّ الحياء فيه مثبت له تعالى، ويجاب بأن السلب في مثله إنما يطرأعلى ما يمكن نسبته إلى المسلوب عنه إذ مفهوم سلب الاستحياء عنه في شيء خاص ثبوته له في غيره فالحاجة داعية إلى تأويله وإنما يتوجه السؤال لو كان مسلوبا مطلقاً وقال العلامة فإن قيل يرد عليه النقض بقوله تعالى: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} [سورة البقرة، الآية: 255] و {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ} [سورة المؤمنون، الآية: 91] {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ} [سورة الأنعام، الآية: 14] وأمثالها فإنها إن كانت إيجابات ورد السؤال عليها وان كانت سلوباً فلم لا لكون قوله لا يستحيي سلبياً فنقول نفي الحياء وصف مذمّة كما يقال للخائض فيما لا ينبغي لا
حياء له ولا يكون مذمة إلا إذا كان عما من شأنه الحياء فهو كمال له وسلبه عنه نقص وفي العرف لا يسلب الحياء إلا عمن هو من شأنه فلذا احتاج للتأويل بخلاف ما في الآيات الأخر، وأيضاً هو مقيد يرجع نفيه إلى القيد فأفاد ثبوت أصل الفعل أو إمكانه لا أقل فاحتاج إلى التأويل كما إذا قيل لم يلذ ذكرا ولم يأخذه نوم في هذه الليلة، وليس بعرض قارّ الذات. قوله: (فالمراد به الترك اللازم للانقباض الخ) إشارة إلى ما مرّ من أنّ الانقباض النفسانيّ والتغير مما لا يحوم حول حظائر قدسه فلا بدّ من تأويله والتجؤز فيه بما يصح نسبته إييه تعالى كما في غيره من أمثاله، فأوّل بما ذكر وقوله في الانتصاف أن كلام الزمخشريّ يدل على أنّ التأويل إنما يحتاج إليه في الحديث دون الآية وهم يعرفه من عنده إنصاف لأنّ قوله وكذلك معنى قوله إنّ الله لا يستحي الخ ينادي على خلافه ولكن لكل جواد كبوة والعجب من بعض الناس إذ قال إنه أوجه وقوله اللازم يقتضي أنه مجاز مرسل لاستعماله في لازم معناه كالرحمة والغضب وقوله سابقا ترك من يستحيي ولاحقاً لما فيه من التمثيل يقتضي أنه استعارة تبعية سواء كانت تمثيلية أولاً كما مرّ تحقيقه ويدفع إن لم يقل بجواز الأمرين عند. وأنّ هذا إشارة له بأنه ليس مجازاً عن مطلق الترك حتى يكون كذلك بل عن ترك ناشئ من الاستحياء فيشبه تركه تعالى لها لحقارتها بترك العظيم سفساف الأمور استنكافا عنها كترك المشي في السوق وأطلق اسم المشبه به على المشبه، وذكره اللازم لأنّ كل مجاز مرسلا كان أو استعارة ينتقل فيه من الملزوم إلى اللازم غايته أن يكون اللزوم في الاستعارة بطريق التشبيه مبالغة لادعائه أنه منه فلذا اختاروه هنا وما قيل من أنّ هذا تكلف لأن الحياء ليس معناه حقيقة الترك حتى يشبه به تركه تعالى تخييب العبد الخ خبط غنيّ عن البيان. قوله: (ونظيره قول من يصف الخ) هو من قصيدة للمتنبي مدح بها ابن العميد أوّلها:
نسيت وما أنسى عتاباً على الصد ولا خفراً زادت به حمرة الخد
ومنها:
كفانا الربيع العيس من بركاته فجاءته لم تسمع حداء سوى الرعد
إذا ما استحين الماء يعرض نفسه كرعن بسبت في إناء من الورد
وما ذكره المصنف رحمه الله تبعاً للزمخشري بناء على ما رواه ابن جني في شرحه من أنه استحيز بمهملتين من الاستحياء، وبسبت في هذه الرواية بسين مهملة مكسورة وباء موحدة ساكنة ومثناة فوقية وهو الجلد النقيّ المدبوغ ومنه النعال السبتية، واستعير هنا المشافر الإبل لنقائها ولينها قال يقول إذا مرّت هذه الإبل بالمياه والغدران التي غادرتها السيول لكثرتها صارت كأنها تعرض نفسها على الإبل فتشرب منها وكأنها مستحيية منها لكثرة ما تعرض نفسها عليها
وإن كان لا عرض هناك ولا استحياء في الحقيقة ولكنه جرى مثاً وكر عن بمعنى شربن وأصله ااحيوان يدخل أكارعه حين يخوض المياه ليشرب منها

الصفحة 84